فانتازيا البرلمان
لو قُدر لي لاحقاً، أن أكتب رواية على نسق الواقعية السحرية، فلن أجد مادة مهلمة أكثر من (هذا البرلمان)، الذي تشتبك تحت قبته كل (فانتازيا الأولين والآخرين)، ويختلط بين منصته ومتنه كل ما هو (لا واقعي) بما هو سحري. فالناظر للقومِ بداخله، ليس فقط يحسبهم أيقاظاً وهم نائمون، بل يراهم سُكارى وما هم كذلك.
ولو قدر لمخرجٍ سينمائي ثاقب وبصير، لأطلق مما يدور بين ظهراني (برلماننا) فيلماً تستحي ماكينة (هوليوود) من منافسته على الأوسكار، فتنسحب خائبة أمام سطوته وجبروته.
لن أرهق أصابعي بالعد، فهي الآن (تطقطق) تلقائياً، قبل أن تبتدر هذا الفعل، وكأنها تقول لي: “ارحمني، هداك الله”، لكنني، ربما لسبب من (قوة رأسي)، أرفض أن أستكين.
حسناً، دعونا نستعرض ولو لبرهة خاطفة، بعض (سحريات) البرلمان، إذ طالب غفر الله له ولنا، بتغليظ العقوبة على جريمتي الاغتصاب والتحرش الجنسي لردع من أسماهم بضعافِ النفوس وإعدامهم في الميادين العامة.
حسناً، فلتعدموهم حيث ثقفتموهم، لا خلاف ولا اختلاف، ولكن لماذا لم تضمنوا ذلك في التعديلات التي أجريتموها على القانون الجنائي إذا كنتم تريدون ابتدار هذه المجازر البشرية بالفعل؟.
نعم، كانت لديكم فرصة ذهبية، أن تحولوا مطالبكم هذه إلى فعل (ممتع)، وإلا فإنكم لا تفهمون مصطلح (التحرش) على نحو دقيق، لذا فاسمحوا أن أقوم بينكم مقام (المحاضر) في هذه الحصة الصباحية (المجانية)، وأشرح لكم أطيافاً منه لعلكم تكفون لاحقاً والله غفور رحيم – ، فالتحرش الجنسي أيها السادة النواب، هو كل ما يشير إلى إغواء جنسي، بدءاً بالكلمات والتعليقات والعبارات الغزلية، مروراً بالنظرات الإيحائية والدعوات الصريحة أو المغلفة ذات الدلالات الجنسية، وإلى الملامسات الجسدية والإيحاءات الأخرى.
وبهذا المعنى فإننا سنفقد خيرة أبناء وبنات هذا الوطن، في كافة المجالات، وسوف نعض أصابع الندم بإراقة دماء عزيرة وغالية لعلماء وخبرات وكفاءات قل نظيرها، بشنقهم على بحبل يتدلى بين الخشبات الثلاث لميادين (الليق) ويدنو من (خط ستة).
اللهم ارحمهم جميعاً واغفر للبرلمان.
[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمانالحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي