الحكمة المطلوبة.. ليست اندلاقاً
جميل جدّاً أن تكون هناك إرادة ورغبة في المحافظة والحرص على علاقات السودان العربية مؤخراً برغم شحنة الاشتباه في النوايا التي يتواجه بها السودان من بعض الدول الشقيقة التي لا تزال تظن به الظنون.
هذه الإرادة السياسية تعزز قدرة الدبلوماسية السودانية على تحمُّل الاتهامات الظنية من الآخرين برغم أثرها القاسي والمستفز أحيانا للسودان والسودانيين.
فمثل قرار الحكومة الليبية بخصوص دخول السودانيين إلى أراضيها أو تهديدها المتوتر بإسقاط أية طائرة عسكرية سودانية تعبر الأجواء. هذه القرارات لم تتجاوز فيها ليبيا حدود حقها السيادي في منح تأشيرة الدخول إلى أراضيها لمن ترغب، وكذلك حقها في رفض التعدي على أجوائها، لكن المشكلة كانت في الأسلوب والطريقة والسياق الذي خرجت به هذه القرارات والذي يعبر عن ما سميناها حالة (الاشتباه) في السودان من ناحيتهم كنظام حاكم وفي السودانيين كشعب من المفترض أنه لصيق وقريب من ليبيا وله علاقات ومصالح قديمة ومستمرة.
لكن برغم هذا الموقف كان لافتاً جداً للانتباه ذلك التصريح الهادئ والموضوعي الذي أدلى به العقيد الصوارمي خالد سعد في تعليقه على هذا القرار بأسلوب محرج جداً لهم كونهم ظنوا بك ظناً سيئاً فكان ردك عليهم بأحسن الظنون فيهم، حين قال إن السودان يتشكك في أن يكون هذا القرار قراراً رسمياً صادراً من جهة ذات صفة اعتبارية بكونه قراراً غير دقيق يؤكد على ما هو مؤكد عرفاً وقانوناً..
هذا النوع من البرود والهدوء هو المطلوب في مثل هذه المواقف.
كذلك كانت تلبية دكتور عصام البشير رئيس مجمع الفقه الإسلامي لدعوة رسمية من الحكومة الأردنية للمشاركة في احتفال الأردن بعيد المولد النبوي، بعد أيام قليلة مما وصفتها وكالات الأنباء بالنكسة التي حدثت في علاقات البلدين مؤخراً، هذا التجاوب السوداني السريع مع رغبة الأردن في احتواء هذه الأزمة وترطيب العلاقات الثنائية فيه شيء من الحكمة والوعي الإيجابي وروح التجاوز للصغائر والأزمات العابرة.
نحن لا نحتاج لأزمات، لا مع ليبيا ولا مع الأردن ولا مع الإمارات ولا مع أي دولة عربية أخرى.. ولكن هذا المبدأ لا يعني الاندلاق والانزلاق نحو الآخرين دون توفر رغبة حقيقية من الطرف الآخر.
لذلك يجب أن يكون هذا النهج مستمراً لكن بما يحفظ لنا ماء وجهنا السيادي فلا إفراط ولا تفريط؛ وقد طالعت في مواقع إنترنت سودانية تعليقات بأقلام سودانيين معارضين للنظام كانت عباراتهم غاضبة من التصريحات الليبية الأخيرة وتهديدات المسؤولين الليبيين، وغاضبة من قرار عدم السماح للسودانيين بدخول ليبيا، فالسوداني بطبعه وغض النظر عن موقفه أو توجهه السياسي لكنه لا يقبل مثل هذه الاستفزازات من الآخرين، لذلك فإن الحرص على العلاقات معهم مهما كانت أهميتها بالنسبة للسودان لكنها يجب أن لا تجعلنا نبدو لاهثين نحو أحد.
وهنا أشير إلى لهجة بيان سفير السودان في الجامعة العربية عبد المحمود عبد الحليم أول أمس والذي أدان الإرهاب في ليبيا بأقسى العبارات، فلو لم يكن السفير في موقع مسؤولية بكونه الرئيس الحالي للجنة وزراء الجوار الليبي، ولو لم تكن ليبيا تعيش ما تعيشه من محنة وكربة لكنت من المعارضين لتوقيت هذا البيان ولهجته والذي يبدو في توقيته وكأنه بيان لإثبات البراءة من تهمة دعم المليشيات المسلحة والتي لم يورد أحد دليلاً على صحتها من الأساس حتى يضطر السودان لإثبات البراءة منها.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالي
خ.ي