سخمان.. أم إنستغرام
في “صدى الملاعب” لدي أظرف وأطيب محلل عرفته الفضائيات العربية، واسمه عبدالعزيز الدغيثر، وحلاوة هذا الرجل أنه عفوي يمكن أن يتحدث في أي موضوع من دون أي حرج، ويمكن طبعا أن يفوّت البرنامج كله بالحيط بسبب هذه العفوية، ولكن الجميل أن الناس كلها تعرف طيبته لهذا يتغاضون عن زلاته “إلى حد ما”.
مرة سألته إن كانت لديه وسائل تواصل اجتماعي فقال إنه لا يعرف تويتر ولا سخرام أو سقراط، وبالطبع سألته من يقصد بسخمان أو سخرام، فقال هذا الذي تضعون فيه الصور، وبالطبع هو يقصد عمنا وشاغل وقتنا إنستغرام، الذي أعترف أنني تعرفت عليه للمرة الأولى عندما كنت في الكويت في شهر ديسمبر من عام 2012، خلال تقديمي لحفل تكريم نادي الكويت بدعوة من الأخ والصديق مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة، الذي كان وقتها رئيسا شرفيا للنادي (ولازال).
يومها لم أكن حتى قد سمعت بسخرام أو سخمان، ولكن كل من في الحفل كان يسألني عن حسابي فيه وكان الجميع يُباهون بعدد “الفولورز”، وهذا أكثر من ذاك وبالصور الكشخة عليه، فبدوت كالأطرش وسط الزفة، ومع هذا قاومت إغراء السخرام حتى شهر رمضان الماضي، عندما رضخت بعد إلحاح وإصرار من بعض أصدقائي الكويتيين من ضيوف برنامج أصداء العالم، الذي قدمته بمناسبة كأس العالم، حين وصلت تعليقات بعضهم إلى تشبيهي بالأمي والجاهل، إن لم يكن عندي سخرام أو سقراط..
وهكذا دخلت عالم إنستغرام الذي “تهكر” بعد وصولي لمئة ألف، وحقيقة لم ولن أعرف وأستوعب لماذا يعمد البعض لتهكير حساب لا يحتوي غير صور متاحة للبشرية كلها، وليس فيه أي شيء خاص سوى الباسوورد، ولم أعرف ما هي المتعة من تهكير حساب على إنستغرام، سوى إضاعة وقت وجهد صاحبه، وربما تكون هذه هي الفكرة الأساسية من التهكير..
ورب ضارة نافعة إذ تعرفت بعد هذه الحادثة على عمالقة التهكير العربي، الذين لبوا نداء الضمير والواجب، وهبّوا هبّة رجل واحد لنجدتي في استعادة حسابي القديم، وكل واحد منهم يستعرض لي السيرة الذاتية الخاصة بعملياته التهكيرية، وهي للأمانة سير مشرفة ترفع الرأس، وهي مفخرة لكل عربي “أمزح طبعا”، ولكن من هكر حسابي كان شريرا لدرجة أنه هكّره وحذفه، وقوانين سخرام لا تسمح بالعودة بعد الحذف، لهذا عملت حسابا جديدا، ويا ليتني لم أعمل، فقد لمست على إنستغرام حقيقة السخمان العربي بأبشع صوره، من خلال تعليقات تافهة وسخيفة ومنافية للأخلاق والذوق العام والخاص، وقرأت كلمات لم أسمع بها حتى في أوسخ الشوارع العربية، ويبدو أننا فعلا بحاجة لقوانين رادعة تنظف كتابات بعض مُستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، حتى تكون فعلا خالية من كل السخمان، الذي استوطن عقول الكثير من شبابنا وبناتنا للأسف، وهنا فقط أدركت أن عفوية الدغيثر في وصف إنستغرام بالسخمان كانت حقيقة في محلها، وكأنها رمية من غير رامٍ.