مشروعات.. (تسنين!!)
أمس احتفلت ولاية الخرطوم بذكرى (إعلان الاستقلال من داخل البرلمان).. والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر، قال في كلمته إِن الولاية ستحتفل في عيد الاستقلال بـ(افتتاح 254) مشروعاً..! وقال إن احتفالات الولاية بالاستقلال ستستمر حتى نهاية شهر يناير.
بصراحة.. أفهم أن كثيراً جداً من السودانيين مسجل في شهادات ميلادهم أنهم من مواليد رأس السنة.. اليوم الأول في يناير.. فشهادات تقدير العمر تختار بداية العام بصورة ثابتة ليوم الميلاد.. لكني لا أفهم حكاية أن يكون (عيد ميلاد) المشروعات مرتبطاً ببداية العام وذكرى الاستقلال..
هل معنى هذا أن الحكومة عند توقيع عقود تنفيذ المشروعات تلزم المقاول أن يكون تاريخ اكتمال المشروع قبل ذكرى الاستقلال بيوم أو أسبوع ليتوافق تدشينه وافتتاحه مع ذكرى الاستقلال؟
أم أن هذه المشروعات إما أصلاً افتتحت وتعمل منذ فترة.. وبالتالي فلا معنى للاحتفال بتدشينها والتقاط الصور لضيف الشرف وهو يقص الشريط أو يضغط الزر لتدور المحركات فهي أصلاً (شغالة) ومن بدري..
أو أنها مشروعات لم تكتمل بعد.. لكن حفل الافتتاح هو مجرد صور وأهازيج وصرف أموال.. ويغلق المشروع لحين تشغيله بصورة حقيقية بعد أن يكتمل تشييده أو تكتمل عناصر تشغيله.. في كلا الحالين يصبح حفل الافتتاح مجرد (إجراء رمزي) لا يستحق نزف الأموال عليه.. وإضاعة أوقات المسؤولين والشعب في بروتوكولات الافتتاحات..
في تقديري.. الأوفق أن تقتصر احتفالات الحكومة (في المستويين الاتحادي والولائي) على (البروتوكوليات الرمزية) تماماً مثل احتفال أمس في مقر (برلمان الاستقلال).. البرلمان الذي ويا حسرتاه- أزيل مبناه القديم التاريخي واستبدل بمسخ مشوَّه لا طال الحداثة ولا أبقى على عبق الماضي والتاريخ التليد..
بضع كليمات يقمن صلب المناسبة والذكرى.. وربما تكريم لبعض الرموز التاريخية.. وكفى..
يا سعادة والي الخرطوم.. بالله عليكم رشدوا أموال احتفالات الاستقلال.. سلموها (صُرَّة وخيط) للفرق الفنية والمسرحية.. وأطلبوا منهم أن يسعدوا الشعب المشحون بالإحباط.. تكسبوا مرتين.. مرة لأن هذه الاحتفالات الجماهيرية المفتوحة تنفس عن الشعب المقهور بزحام العمل للبحث عن لقمة العيش الكريم.. ومرة ثانية لأن هذه الأموال تنفق على (تشجيع الإبداع).. كل جنيه ينفق على هذه الفرق يشحذ روح الإبداع ويثري البلاد بخلاصة العقول والوجدان السليم..
ليس مطلوباً من الحكومة شغل نفسها بتفاصيل احتفالات الشعب وأفراحه.. تلك مهمة تجيدها منظمات المجتمع المدني.. بل هو من صميم عملها.. فقط على الحكومة التمويل من حر مالنا الذي بين يديها..
بدلاً من أن يكون الشعب ضيفاً على احتفالات الحكومة بالاستقلال.. أليس الأجدر أن تكون الحكومة هي ضيفاً على الشعب في هذه الاحتفالات؟!!.
عثمان ميرغني
حديث المدينة – صحيفة التيار
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]