“حط بالخرج”
لو سألنا شبان وبنات اليوم متى آخر مرة رأيتم فيها حمارا على الطبيعة (ولا أقصد نهائيا معاذ الله تشبيه البشر مهما كانت درجة غبائهم بالحمير)؟ بل أتحدث عن الحمار أبو “أربع رجلين وأذنين كبيرتين”.
الأكيد أن الإجابة قد تكون 99 بالمئة وربما أكثر هي ولا مرة لأن أيام (الحمير) التي كانت تجر الطنابر في الحارات، وتُستخدم إما لبيع الخضراوات أو لشراء الأدوات المنزلية العتيقة، أو حتى بيع الكاز والمازوت أو جمع القمامة قد ذهبت في كثير من الدول إلى غير رجعة.. وهنا خطر على بالي أن البعض ربما لم يسمع بالكاز والمازوت أساسا.
المهم أن الحمار الذي كان وسيلة نقل رئيسية أيام كان من لديه حصان يُعتبر من علية القوم.. وكان للحمار خرج وليس سرجا يتم وضع أغراض صاحبه فيه، وبعض المواد التي يُراد نقلها أو بيعها.. وكانت أي قصة تبدو خيالية أو أي فرمان أو أمر يصدر من الأبواب العالية أو السلاطين أو من تلاهم من الفراعين آنذاك، ولا يتم تنفيذه مثل رفاهية الشعب وتوفير الخدمات الضرورية له مثل العمل والتعليم والصحة والمسكن كانت كلها عند الشعب تحت بند “حط بالخرج” يعني باختصار كلام لا يودي ولا يجيب حسب إخوتنا المصريين..
كل هذه المقدمة الصميدعية كانت فقط لشرح معنى “حط بالخرج” الذي جعلته عنوانا لمقالتي، لأن هذه العبارة باتت حاليا هي الأكثر رواجا لدى الكثير من العرب “كلٌ بلهجته أي بنفس معاني حط بالخرج”، والسبب هو الحالة غير المسبوقة التي وصلنا إليها كعرب، رغم تفاوت أحوال البعض المادية والسياسية والثقافية والعمرانية والنفطية واللانفطية، والبوقيّة واللابوقيّة (هذا مصطلح جديد يحتاج ألف مليون تريليون مقالة لأنه سبب 99 بالمئة من مشاكلنا الإنسانية والتنموية والحضارية).
فنحن من جرف لدحديرة “وأقصد نحن من عانينا ونعاني وليس بالضرورة أنتم”، ولكن حتى الدول المستقرة ماليا وأمنيا مثل دول الخليج يحاول بعض أصحاب الفكر المتطرف أن يعبثوا بأمنها وأمن القاطنين على أراضيها، أو تشويه صورتها، وبعض هذه الدول لا تخلو أيضا من الفساد الذي لم يتم إيجاد حل لا جزئي ولا كلي ولا ظرفي ولا نهائي له، أما البقية فكل سرى على همّه، لهذا ومن كثرة ما مررنا بمطبات هوائية ومنعطفات تاريخية واستدارات ويوتيرنات عاطفية، صارت الأمور عندنا “سمك لبن تمر هندي”، أو بالأحرى صرنا كلما قرأنا أو سمعنا شيئا يوحي بأن الدنيا “بامبي” تكون ردة الفعل العفوية الأولى “حط بالخرج”، وأنا بكل صدق أتمنى أن أكون مخطئا في كلامي، أتمنى لمنطقتنا أن تخرج من عنق الزجاجة الأزلي الذي لم نستطع مغادرته أو الخلاص منه حتى الآن، وأن ننتهي من قصص التطرف والعنصرية والطائفية والكره والعنف والعنف المضاد، والاحتلال والاضطهاد والفساد والمحسوبية والواسطة، والاعتماد على الغير، في أمور يجب أن نعتمد على أنفسنا فيها، وأن تندثر مقولة “حط بالخرج” حتى نرى أفعالا قبل أن نغرق في الأقوال، فبلادنا جميلة وغنية بأهلها وثرواتها، ونحن نستحق أن نكون من النخبة في كل شيء أو على الأقل مثل غيرنا الذي كان وراءنا وصار بعيدا عنا ولكن من أمامنا.