الصادق الرزيقي

هل يراجع هؤلاء؟!

[JUSTIFY]
هل يراجع هؤلاء؟!

> ما يهمنا في تقرير المراجع العام، ليس فقط معرفة حجم الاعتداء على المال العام في المؤسسات الحكومية والوزارات والشركات العامة، فذلك يرد سنوياً في تقريره الذي يقدمه أمام البرلمان، وتقوم الصحف بنشره ويهتم به الرأي العام ليوم أو يومين أو ثلاثة وتتداوله الألسن ومجالس المدينة، ثم يلحق التقرير بإخوانه ممن سبقوه من تقارير إلى الأرشيف والأضابير وينساه الناس وتطوى صفحاته.. فالذي يهمنا هو كيفية التعاطي مع التقرير وسرعة البت في المخالفات التي ترد فيه ومحاسبة المعتدين على المال العام وقطع دابر الاختلاسات والتجاوزات التي تحدث.
> فالملاحظ أن نظام المحاسبة عندنا وهو الغائب الخامل المعيب، لا تريد أية جهة رسمية تفعيله وتحريكه، فتقرير المراجع العام يمر مرور الكرام، وفي غالب ظن الناس أن وزارتي المالية والعدل لا تشرعان بسرعة في اتخاذ الإجراءات الواجبة بفتح البلاغات ضد المعتدين على المال العام، وإن حدث ذلك فلا يسمع به أحد حتى يهدأ الروع ويخمد الشك ويتلاشى الغضب!!
> ودون هذه المحاسبة الفورية العاجلة والحاسمة لن يعتدل ويستقيم الظل، ولن تتوقف حالات التعدي على أموال الدولة وسرقتها وأخذها بغير وجه حق.. فهل الحكومة جادة بالفعل في إعمال هذه النظم ووقف هذه الظواهر السالبة التي جعلت السودان في مقدمة الدول التي توصم بالفساد في التقارير الدولية؟ وهل الحكومة حريصة على تطبيقات القانون وتجسيد مفاهيم النزاهة والشفافية وطهارة اليد، أم أنها شعارات ترفع وعبارات تردد كل يوم، ثم لا فعل ولا رد فعل.
> ومع ذلك.. إذا كانت مخالفات الموظفين ومختلسي المال العام والمعتدين عليه من موظفي الوزارات والشركات الحكومية والمؤسسات، وجريرة التهرب من المراجعة المالية وغيرها، ظاهرة للعيان ويشملها تقرير المراجع كل سنة.. فما بالك باعتداءات الولاة في الولايات وكيفية تصرفهم في المال العام، فولاة الولايات تجري على أيديهم أموال طائلة لا تحصى ولا تعد يتصرفون فيها بعيداً عن الأسس والنظم المحاسبية المعروفة، ولا تتم مراجعة صرفهم لهذه الأموال، فمال التنمية والمال الذي يعطى للولايات تحت مبرر دعم الأمن، لا يوجد من يعرف من الرئيس إلى أدنى مسؤول اتحادي ولا في الولايات ولا مجالسها التشريعية كيف يتم التصرف هذه الأموال؟ وفي ماذا صرفت؟ وأين ذهبت؟ ولحساب من وكيف؟ فعدد كبير من ولاة الولايات لا يتبعون ولا يتعاملون بالأساليب الصحيحة في هباتهم وعطاياهم وتوظيف وتسخير الأموال التي بحوزتهم، ولا يخضعون ذلك للوائح المالية المعروفة.
> فالمال في بعض الولايات في بيت الوالي وفي خزنة داخل غرفة نومه، أو في بيته بالخرطوم، أو يتعامل مع موظف في مكتبه يتلقى هذا منه التوجيهات بالصرف، وكثير من وزراء المالية في الولايات يجلسون فوق خزائن فارغة ويديرون حسابات مصرفية خاوية، كل ذلك بسبب قلة الموارد في الوزارات وتضخم الأموال التي في جيب الوالي.
> فمثل هذه الممارسات وهذا الكم الهائل من الأموال غير الخاضع للمراجعة والمراقبة والرصد والتدقيق، يذهب إلى أيادي البعض ويهدر في غير مكانه، ولا يستطيع تقرير السيد المراجع العام الإحاطة به ورصده ومعرفة تفاصيل الكيفية التي يصرف بها!!
> ولذلك يبدو التقرير السنوي للمراجع العام تقريراً جيداً لحالات الاعتداء على المال العام الشاخصة والظاهرة، وللاختلاسات التي يقوم بها موظفون في مستويات الخدمة المدنية المختلفة صغاراً كانوا أم كباراً، لكن التعديات الأكبر والأعظم أو الفساد اللولبي الماكر الذي عمَّ القرى والحضر، لا تستطيع كل مجسات المراجع العام معرفة دروبه وأساليبه وكشف مساراته ولا معرفة خباياه.
> على الحكومة أن تشرع في تفعيل القوانين، وأن تسنَّ أخرى لمواجهة الحالات المستعصية، والعمل على ابتداع آليات جديدة لضبط الأداء المالي للدولة وتقليل فرص وسوانح الاعتداء على المال العام، ومحاسبة من يقومون بذلك، فكل عام تزداد مع تقديم التقرير الحاجة إلى فعل شيء، فهل سيكون هناك هذا الشيء؟
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة