آفة الأخبار الحديثة
> لم تجد عبارة مكانها الأثير لدى منتقدي الصحف وأخبارها، مثل القول المحفور في جدار الزمن «آفة الأخبار رواتها»، وهي عبارة حارقة لمن يقدمون الخدمة الخبرية.. يتحملون تبعاتها حين تغيب قواعد المهنة ويستقي المخبر المعلومات منقوصة ومن غير المصدر الصحيح لها ودون التثبت من صحة ما ينقله، ولا يجرى على الخبر الذي ينشر أو يبث، ما تقتضيه الضوابط المهنية الصارمة التي تجعل من الخبر حقيقة تمشي على قدمين!!
> وما من آفة تهدد الصحافة سواء أكانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية أو منداحة في فضاء الإعلام الجديد، مثل الأخبار التي يتناقلها الناس في وسائط التواصل الاجتماعي، خاصة الـ «واتس آب» الذي صار لدى كثير من الناس أهم مصادر المعلومات، وترى الناس منكبين على الهواتف الذكية مستغرقين فيها كرهبان في معبد ومحراب، لا يحسون حتى بالدنيا حولهم ولا تسمع لهم ركزاً، ويتبادلون معلومات ومرويات وأخباراً محشوة بالأكاذيب تتسم بعدم الدقة وتفوح منها رائحة الطبخ الرديء إن لم تكن هي نفسها منتنة بما تحتويه من أباطيل ومجافاة للحقيقة.
> والأسوأ من ذلك، أن الصحف عندنا هنا بدأت تمارس عادة ذميمة وغير مقبولة ولا مستحبة، بنقل أخبارها مما يتداوله الناس عبر الوسائط الاجتماعية، وفقدت مصادر الأخبار التقليدية مكانتها، وحلت محلها كارثة عصرية مستحدثة تكاد تشطب كل القواعد الاحترافية في صناعة وإعداد الأخبار ونشرها.. وهذه الممارسة الخاطئة لعدد من الصحف تهدد بفقدان الصحافة أهم محصناتها ودروعها المهنية كمصدر مهم وصادق في نقل المعلومات والأخبار للمجتمع.
> وتكاد نسبة الاستعانة بالمواد الصحفية وخاصة الخبرية المبثوثة على الفضاء الافتراضي تبلغ 70% أو تزيد من أخبار الصحف السودانية اليومية، وهي ظاهرة تعبر عن خلل كبير في الأداء الصحفي حين يعتمد الصحافي على هذه المصادر وينقل منها، ويبلغ به الكسل والإعياء واللامبالاة المهنية، من اتباع النظم التقليدية الصارمة في التحقق من التدفق الهائل للمعلومات والأخبار المتاحة بسهولة أمام الصحافي الذي يحصل على ما يريده بكبسة زر صغير أو تمرير أصبعه على شاشة ذكية أو تنقلات بصره على هاتفه المتصل بخدمة الإنترنت.. وكثير من الأخبار غير الصحيحة ونصف المعلومة أو المعلومات المضللة تجد طريقها للنشر بسرعة البرق في أبشع صورة لانتهاك وتغييب الواجب والسلوك المهني الصحيح ومعيارية العمل الصحفي الدقيق، فمن أوجب واجبات الصحافة التحقق من الخبر من مصادره ومظانه الصحيحة وإخضاعه لمعايير صارمة ودقيقة وفحصه بعين محترفة قبل نشره.
> ورغم التقدم التكنولوجي والقفزة الهائلة في تقنية الاتصالات والمعلومات التي جمعت الكون كله في الكف داخل الهاتف الذكي، إلا أن المؤسسات الإعلامية الكبرى والعريقة في العالم، تتبع النظم المعروفة والضوابط الصارمة في التعامل مع الأخبار والمعلومات، فالـ «بي. بي. سي» (B.B.C) في كل وكالاتها وتلفزيوناتها وإذاعاتها باللغات المختلفة الموجهة للعالم في أصقاعه المتعددة، مازالت تصر وتتشدد في ضوابطها الصارمة في عدم نقل أي خبر دون نسبته إلى مصدر معلوم والتحقق منه عبر أكثر من ناقل ومن أكثر من مظان، ولا يُبث أو يُنشر أي خبر دون التأكد من صحة معلوماته أو نسبتها لجهة ذات صلة بوقائعه وتفاصيله، فليس هناك خبر مبهم أو لقيط مجهول الأبوين.
> ووكالات الأخبار الدولية مثل «رويترز» و «الأسيوشيتدبرس» و «إنترتاس» و «شينخوا» والصحف العالمية والفضائيات الكبرى وشبكات الأخبار وغيرها من الوكالات على اتساع رقعة العالم الفسيح، تتعامل ومازالت مع الأخبار وفق منهج سليم لا مجال فيه للاجتهادات الفردية للصحافيين ومحرري الأخبار في اللجوء إلى وسائط التواصل الاجتماعي للبحث عن المعلومات أو تبادلها ونسخها ثم نشرها وبثها.
> ولم نجد في تطوافنا في بلدان العالم من شرقه إلى غربه، وسائل إعلام وصحفاً تتغذى كل ساعة من حبل سري يسمى الـ «واتس آب» أو غيره، فهذه الممارسة الخاطئة ستكون وبالاً على مصداقية الصحف عندنا خاصة التي تتعاطى مع نسج الخيال والتسريبات والتلفيقات اليومية حول أخبار السياسة والمجتمع.. فيجب أن ننتبه كمجتمع صحفي وينتبه القارئ بكل حصافة إلى خطورة هذه الممارسة غير المهنية التي باتت تهدد مصداقية الصحف وتحول الصحافيين إلى مجرد كسالى وعاطلين عن موهبة التقصي وتتبع المعلومات والتنقيب عنها في مصادرها الأصلية.. ونخشي أن تدمر هذه البدعة المستحدثة الصحافة ثم المجتمع الذي تحاول خدمته عبر هذه الضلالات المهنية.. فآفة الأخبار صارت هذه الوسائط!!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة