عبد الجليل سليمان

طارق أبو عبيدة

[JUSTIFY]
طارق أبو عبيدة

أول أمس (الأربعاء)، استضفنا في (اليوم التالي) الفنان المُهاجر (طارق أبوعبيدة) في جلسة استماع ومؤانسة رائعة، إذ أغدق علينا وشنف آذاننا بروائع الغناء من الحقيبة وما بعدها، إلى أغنياته الخاصة التي لم تدخر شاعراً فذاً أو نحريراً إلاّ ومتحت منه (قصيدة)، فكانت كلمات القدال، محمد مدني، وعثمان بُشرى حاضرة في أوتار العود ودرجات الصوت.

ما لفت انتباهي، أن طارقاً استدعى أغنيات لفنانين عظام وكبار كاد الجميع إن لم يكونوا بالفعل أن ينسوهم، وهذا بالطبع أمر محزن وفظيع، لكننا أمس كنا محظوظين بالاستماع إلى صلاح مصطفى، عبد العزيز المبارك، وعبد الله الحاج (زهرة السوسن)، وذلك بفضل ما يتمتع به (طارق) من انتقائية مبدعة.

كان هذا، وأكثر، في مجال الإمتاع، أما في مجال المؤانسة فلم يكن الأمر بحسب وجهة نظري في مستوى الكفّةِ المُقابِلة، فالرجل وإن اتفقت معه في أن غناء الحقيبة لا يعبر عن (كتلة الغناء) السوداني كلها، لكنني استعجبت أن يُبدي في إحدى مداخلاته وهو (فنان مثقف)، ما يُشير إلى أنه غير مقتنع بأن الألسُن السودانية (غير العربية) لا تنطِق بلغاتٍ بل (لهجات)، وهذا خطأ شائع لدى قطاعات كبيرة ممن يعتقدون أن الكلام لا بد أن يُكتب حتى يوصف بأنه لغة، وهذا أمر غير صحيح. كما أن طارق قال إن لديه أغنية بلغة الحلنقة، والواقع أنه ليست ثمة لغة اسمها (الحلنقة)، إذ تتحدث هذه المجموعة اللغة (التبداوية/ البجاوي) بلهجة خاصة “اللهجات هي طرائق مختلفة للحديث ضمن لغة واحدة”، كأن نقول اللغة العربية باللهجة الشامية، الخليجية، المصرية، المغاربية والسودانية. ربما كنت سأمضي غير آبه بتلك الملاحظات إذا ما صدرت تلك (الإفادات ذات الصلة) من غير طارق أبو عبيدة، لأنه في ظني أن وقوع المُبدع المثقف في فخ التعريفات الخاطئة للمصطلحات يأخذ به إلى نتائج خاطئه وبالتالي مُعالجات خاطئة، تماماً مثلما يكون (التشخيص) لدى الطبيب.

وربما هذا ما جعل ضيفنا يقع في خطأ آخر،عندما قال بأنه لا توجد أغنية سودانية (بهذا المعنى الدقيق)، وإنما لدينا أغانٍ مناطقية، بمعني أن لكل إقليم سوداني أغنيته الخاصة، وهذا صحيح بالعموم لكنه خاطئ في تفاصيله وحيثياته، إذ أن المُعادلة الرياضية تقول بأن (الكل أكبر من مجموع أجزائه)، وبالتالي فإن هنالك أغنية سودانية وهي مجموع أغنيات تلك المناطق.

وفي هذا الصدد لم توفق طارق في مقاربتة لتلك الجزئية (بناء على تعريفة ذاك)، إذ قال بأن هنالك أغنية مصرية واحدة يتفق عليها (جميع أهل مصر)، وكأن مصر ذات ثقافة واحدة، وليست فيها مجموعات ثقافية متبانية، وهذا ليس صحيحاً، إذ أن بالمحروسة أغنيات نوبية، وبجاوية، وصعيديه، وأغنيات خاصة بقبائل أولاد علي في الشمال الغربي، وبالمجموعات المتاخمة لليبيا، وأغنية أشبة بالخليجية والأردنية في سيناء، وربما كثير مما لا نعرف، وهكذا وقع صاحبنا في الفخ، إذ اعتبر أن الأغنية التي يروج لها الإعلام المصري (أم كلثوم، عبد الحليم أو شعبان عبد الرحيم)، هي الأغنية المصرية (الواحدة الصمدة)، وهذا يحلينا إلى ما انتقده هو نفسه في حالة السودان، حيث يعتقد الكثيرون أن الأغنية (الأم درمانية) التي يروج لها الإعلام الرسمي هي الأغنية السودانية الشائعة (الواحدة) التي تمثل كل السودان.

[/JUSTIFY] عبد الجليل سليمان
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي