عام جديد وإنجاز «مديد»
نحن الآن في شهر ديسمبر وعام 2014، يوضب أغراضه ليرحل، وكان أهم إنجاز فيه للعرب على يد أجناس غير عرب، فبرلمانات السويد وبريطانيا وفرنسا قررت الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وما عدا ذلك فالحال في حاله، أي يغني عن السؤال بل يسبب السعال، وعلى المستوى الشخصي فإنني وفي نهاية كل سنة، أستعرض إنجازاتي، وأحس بالفخر والرضا، وأهم تلك الإنجازات هو إنني بقيت على قيد الحياة بفضل الله وباجتنابي للمخاطر والموبقات، والشيء الوحيد الذي أفشل دائما في اجتنابه عاما تلو العام هو «قرناء السوء»، وفيما مضى كان قرين السوء شخصا تتعامل معه وجها لوجه، وقرار «مقاطعته» في يدك، ولكن عصر العولمة يفرض عليك قرناء سوء لا تعرفهم.. بعضهم يتحرش بسيارتك يوميا بل على مدار الساعة، وبعضهم يراسلك رغم أنفك عبر الإنترنت أو الواتساب، ويزودك بصور مفبركة لبنات وأولاد «الناس» في أوضاع مشينة، وقرناء السوء موجودون في مواقع العمل بالطن المتري، يدعونك لتناول كوب شاي في الكافتيريا، وإذا قلت وأنت ترشف بعض الشاي: أُف.. باقي على يوم الجمعة أربعة أيام،.. تسلل صاحبك إلى مكتب المدير ليبلغه أنك «تتأفف» من العمل وتبدي ضيقك به وسط العاملين في الكافتيريا للتأثير على معنوياتهم، وإذا سمعك تقول إنك تعتزم تقديم طلب إجازة، أبلغ المدير أنك في واقع الأمر مسافر إلى بوركينا فاسو لإجراء معاينة أو مقابلة تتعلق بوظيفة جديدة، ومنهم من قد يوصل لزوجتك معلومات بأنك متزوج مسياريا من بوركينا فاسوية.
المهم أن نهاية ديسمبر تعني بالنسبة لي زيادة في تحصيل وتأصيل المعلومات، فمطبوعات رصينة مثل مجلات تايم ونيوزويك والأيكونوميست ترصد حصاد السنة المنقضية بدقة، وإذا جمعت منها أعدادها الديسمبرية لعدة سنوات تكون قد امتلكت موسوعة ضخمة لأهمِّ أحداث العالم، وستكتشف أن أهم إنجاز عربي على مدار أكثر من نصف قرن هو اكتشاف أن إسرائيل ليست جادة في تحقيق السلام، وأن الولايات المتحدة «قد» تكون متواطئة مع إسرائيل.. وما عدا ذلك، فسِجِل العرب – عاما بعد عام – يشير إلى انخفاض دخل الفرد وتفشي العنوسة بين البنات وتفشي الخنوثة بين الأولاد، وتفشي العطالة بين الجنسين.. ولكن وبفضل محافظتنا على الثوابت، فكل شيء كما كان، الكبسة هي الكبسة، بنفس المواصفات والخصائص التي كانت عليها عندما كانت عبلة تعدها وتقدمها سرا إلى عنترة بن شداد العبسي، والفول والمخلل ما زالا على الحال الذي كانا عليه في عصر الفراعنة، واشتعلت حرب الفلافل بين العرب واليهود في هولندا وانتصر اليهود وصدق الهولنديون ان الفلافل هبة من سيدنا موسى لبني اسرائيل.
ولكن لا يأس مع الحياة، ولا حياء عند العرب، فالإصلاح قادم، ولكن بشرط حل القضية الفلسطينية أولا (يعني عيش يا حمار.. إذ ليس من «المصلحة» حل تلك القضية، لأن حلها يعني حل كذا حكومة وتسريح مئات الآلاف من الضباط والجنود)، وهناك شرط آخر وهو تحقيق الاستقرار في اليمن (ولو حصل استقرار في اليمن خلال العشرين سنة المقبلة آدي شنبي أحلقه في ميدان عام).. وحتى لو حلت القضية الفلسطينية حلا «نُص كُم» كما هو مرجح، واستقرت الأوضاع في اليمن سيقولون «الصومال».. ثم جاءت داعش وصار بإمكاننا ان نضع خطة استراتيجية لعشر سنوات لاستئصالها، وهكذا أصبح عندنا موال جديد: يا ليلي يا عيني/ نوري المالكي سواها فينا/ وسوّد صباحنا وليالينا. ولكن طالما عندنا كبسة وفول وكوارع وحمص وفسيخ فالحياة ستستمر بإيقاع جنائزي… والحمد لله على كل حال والشكوى لغير الله مذلة.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]