عطبرة .. الآسى و الأمل ..!!
:: و ما أن توقف قطار النيل بعطبرة قبيل التاسعة مساء بدقائق، إستقبلنا الظلام إلا من ومضات متفرقة تُشير إلى بعض الفنادق والمطاعم التي لم تنم بعد، ثم نصف شارع تقريباً هو المضئ في شوارع عطبرة.. أعمدة الكهرباء على مد البصر في كل الشوارع، ومع ذلك لا أضواء غير التي تولدها كهرباء السيارات.. وسلسلة تلال سوداء موازية للأسفلت، مرتفعة هنا ومنخفضة هناك، ولكنها مرصوصة بحيث لم تترك فراغاً على طول الشارع، و شمس اليوم التالي تكشف أن تلك التلال السوداء لم تكن سوى ( نفايات)..!!
:: عطبرة تغرق في بحر نفاياتها، ومجاري المياه والصرف الصحي بمثابة مخزن لأكياس المدينة وعُشبها، والسائق يحدثنا بأن عطبرة كانت تضاهي لندن في النظافة..وتلك أسطوانة نسمعها في كل مدائن البلد وكأن النظافة صارت تاريخاً يُدرس في مدارس ولم تعد تصلح بحيث تكون واقعاً في حاضر الناس..والمعتمد الجديد في مرحلة شراء الآليات، ولحين فرز العطاء لن يفرز العطبرواي شوارع المدينة عن بيوتاتها من تراكم تلال النفايات وجبالها.. ولذلك، إقترحنا بأن القطاع الخاص هو الأفضل – لمثل هذه الخدمة – في حال توفر الرقابة الحكومية والمنافسة الشريفة في (العرض والطلب)..!!
:: والعاشرة مساءً ..و السكون يغطي المدينة، إلا من حراك محدود بجوار المستشفى و بعض المطاعم..علماً أن صافرة السكة حديد الشهيرة التي كانت تنام على صفيرها عطبرة و تصحى ( مُعطلة)..ولأننا شعب مغرم بكل ما هو مُباد ومندثر، ناشدناهم بإعادة الصافرة إلى حياة أهل عطبرة، ووجدنا وعداً رسمياً فحواه : ( والله ممكن نشوف مشكلتها شنو ونحلها).. وقد تعود الصافرة بهذا الوعد، ولكن بلسان حال قائل : فلا الاذان أذان في منارتها إذا تعالت ولا الآذان آذان.. لقد إنعتقت عطبرة من السكة حديد وكل تفاصيلها، بما فيها تلك الصافرة ..نعم، فالهيئة وقطاراتها وصافرتها و فيالق عمالها لم تعد إلا محض ذكرى في حياة عطبرة..!!
:: وبالمناسبة، بعض الأهل هناك يشكرون محمد الحسن الأمين على إرتكابه أكبر مجزرة في تاريخ السكة حديد حين أحال الألاف إلى الصالح العام ب (جرة قلم).. لم يسأله ضميره – عند إتخاذ القرار الجائر – عن مصير العمال و مصائر أسرهم.. يشكروه – رغم ما في أنفسهم من ألم – لأن الله أبدلهم خيراً في الرزق والكسب الحلال بعيداً عن ظلال هيئة شيدوها بسواعدهم وعقولهم.. وتركوا من فصلهم لا يهدأ له بالاً ولا يطيب له مقاماً إلا تحت (ظل السلطة)..وهكذا البعض – كما نبات الظل – لا تفرهد أوراق حياته في الشمس والهواء الطلق أبداً..!!
:: وكوادر كورية وأخرى رومانية هي التي تُعيد تأهيل بعض القطارات حالياً في (ورش عطبرة)..وهي ذات القطارات التي كانت تعيد تأهيلها الكوادر سودانية المحالة للصالح العام.. ثم مهندسا من أبناء دولة جنوب السودان تم توفيق أوضاعه وإقامته لسد العجز في الكفاءة، وما هذا إلا بعض حصاد (تشريد الكفاءة)..المهم، هناك بصيص أمل في مشروعين، أحدهما كوري والآخر روماني، وبتمويل قدره ( 10.000.000 يورو) .. أحدهما يستهدف تأهيل ( 7 قطارات، ساحبات) والآخر يستهدف تأهيل (10 قطارات ساحبات )، وبعدها يرتفع سعة النقل باذن الله إلى ( 200.000 طن، شهرياً).. تقريباً، هذا هو الأمل المرتجى لتعود إلى السكة حديد بعض سيرتها الأولى ..أكرر، (بعض) سيرتها الأولى .. وفي غير هذه المساحة بالصور، مشاهد و حكايات وذكريات من عطبرة قريباً باذن الله ..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]