بين الذرة والسمسم وأدواء الاقتصاد الوطني!
رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الولايات جابر عبد القادر الذي كشف عن عمليات تهريب المحصولين، قال إن المزارع يمر بحالة خسارة كبيرة لمحاصيله الزراعية بسبب انخفاض الأسعار، مُضيفاً بأن المشكلة وصلت (اللحم الحي)، الأمر الذي أضطر المزارعين إلى اللجوء للتهريب!
وهكذا تعجز الحكومة عن معالجة الأزمات الاقتصادية واحدة تلو الأخرى بما في ذلك مشكلة الدولار وانخفاض الجنيه الذي جعلها تلجأ إلى خيارات استثنائية معلوم أنها لن تصمد طويلاً ما لم يتم اتخاذ حلول طبيعية تعالج الأزمة من جذورها في إطار المعالجات الكلية للاقتصاد بعيداً عن العشوائية وعمليات الترقيع التي تجري الآن.
الخبير الاقتصادي عبد الرحيم حمدي قال إن مشكلة التهريب قديمة فقد حكى عن وزير مصري قال له في سبعينات القرن الماضي (مش عيب يا ابني حمدي أن نشتري محاصيلكم من أثيوبيا) ؟! لكن شتَّان بين مشكلة السبعينات والمشكلات الحالية التي قعدت بالسُّودان وأوشكت أن ترديه قتيلاً.
دهشتُ للإفادات العلمية العظيمة التي قدَّمها الخبير الاقتصادي د. التجاني الطيب والذي كشف كثيراً من عللنا وأدوائنا، ولست أدري ما إذا كان القائمون على أمر الاقتصاد يعلمون بهذه الحقائق المذهلة والمخيفة.
قد أعذر أصحاب القرار في القضايا التي لا حول لهم حولها ولا قوة مثل المديونية الضخمة (45 مليار دولار) للمؤسسات الدولية بالرغم من أن هذه قضية سياسية كان من الممكن تقديم معالجات جريئة لها للتطبيع مع المجتمع الدولي الذي أعفى جميع الدول الأفريقية من ديونها ما عدا السُّودان والصومال بسبب العقوبات المفروضة عليه مما كان ممكناً أن نتفاداها لو توافرت المبادرة والإرادة السياسية التي عجزنا دون غيرنا من الدول عن الاقدام عليها لكن كيف نعذر الدولة وهي تعلم أن بإمكانها معالجة كثير من العلل التي تُمسك بخناق الاقتصاد خاصة من تلقاء الجهاز المصرفي الذي قال د. التجاني : إن ما يضعفه عجزنا عن تطبيق اللوائح والقوانين من قِبل بنك السُّودان بسبب مراكز القوى والمصالح التي تحول دون الإصلاح مما جعل القطاع المصرفي في حالة ترهُّل وعجز يحتاج إلى معالجات جذرية يتعيَّن علينا أن نتبنَّاها سريعاً قبل فوات الأوان!
د. فاروق تحدث عن بنك السُّودان الذي تعوزه (الأسنان القوية) كما قال لتطبيق القانون، وللأسف فإن هذا شأن جميع الأجهزة التنظيمية (Regulatory bodies) في بلادنا ولازلت أذكر كيف قدمتُ استقالتي من الهيئة القومية للاتصالات عندما شعرتُ بضعف قوّتي وقلة حيلتي وهواني على ولاة الأمر الذين عجزوا عن مواجهة مراكز القوى التي تقف حائلاً دون الإصلاح وتطبيق القانون وإحقاق الحق وإبطال الباطل وكبح جماح الفساد.
أعجب والله كيف لا يضطرنا ضعف أدائنا الاقتصادي إلى تقوية إرادة التغيير وتطبيق القانون بالرغم من خطورة ذلك على الدولة وتهديده بانهيارها وفشلها؟!
د. التجاني تحدث عن زيادة الانفاق بنسبة 66% بالرغم من أنه كان يُفترض أن ينخفض بنسبة 40%، والأخطر من ذلك أنه تحدث عن أنه لا توجد حلول لمشكلة الدولار مع تنشيط المقاطعة الاقتصادية من العالم الخارجي بل إن الرجل انتقد معالجات الاستيراد بدون قيمة (النيل فاليو) (Nill Value) باعتباره حل العاجز ومسكِّناً وقتياً لا يعتبر بأي حال حلاً اقتصادياً.
تحدث د. فاروق عن التجنيب الذي أعتبره كغيره من مشكلات الاقتصاد ناتجاً عن ضعف الإرادة السياسية، ولست أدري ما إذا كان د. فاروق يعلم أن الأمر أكبر من ضعف الإرادة السياسية بمعنى أن السياسيين باتوا يدافعون عن التجنيب بما يعني أنهم يدافعون عن خرق القانون تبريراً لعجزهم عن اتخاذ القرارات الاقتصادية المطلوبة ومواجهة مراكز القوى، وللأسف فإنهم يخرقون القانون بتشجيع التجنيب، وفي ذات الوقت يلجأون للحيطة القصيرة المتمثلة في المواطن الذي (يهرسونه هرساً) بقرارات رفع الدعم عن السلع الضرورية!
الكاتب : الطيب مصطفى
زفرات حرى – صحيفة الصيحة