القبض على لجنة مسجد شرق النيل

لا أعرف مسجدا بطول وعرض ولاية الخرطوم يمكن أن يتفوق على مسجد شرق النيل الكبير عمارة وإعماراً.. معاني ومباني.. تمنيت لو أن هذا العمود الصحفي يحتمل إيصال رسالة الصورة والصوت لينقل لكم وصفا حيا لمسجدية هذا الجامع الكبير.. فمن جهة أن شيخ عبدالكريم الإمام الراتب هو زين آخر في أدب ترتيل وتحبير القرآن الكريم.. وأنا كاتب هذا المقال أسكن في الحي المقابل لحي الهدى حيث شيخ عبدالكريم.. أعرف الكثيرين ممن يتخطون رقاب عدد من المساجد ويعبرون أكثر من شارع أسفلت يبحثون عن دفء وعذوبة القرآن الغض.. فشيخ عبدالكريم نفسه.. زاده الله بسطة في الحفظ والعلم.. ما كان له أن يستمر ويبدع ويبذل لولا أن وجد استقراراً في بيئة المسجد من قبل سدنته وخدامه.. فالمسجد من حيث المباني والفرش والتكييف والقطع المعمارية المحلاة بالحجارة النفيسة والألوان، كما لو أنه أحد مساجد شيوخ وأمراء الخليج والجزيرة العربية.. فللمسجد لجنة كأنها مجلس حكومة ولاية بأكملها من حيث الكفاءات والدقة الإدارية والمالية والمحاسبية المتبعة ..

ويمكن الاستفادة من شهادة ومشاهدات الدكتور أبوكساوي مدير عام أوقاف ولاية الخرطوم التي بذلها بسخاء وصدق تجاه هذا المسجد الأنموذج في ولاية الخرطوم.. ويكفي أن عمارة المسجد قد استقطبت شركات في مقام شركة زين وسوداني، فاتخذت لها مكاتب خدمة للجمهور من أوقاف المسجد ..

تمنيت كثيرا في بعض مقالاتي أن يستفاد من تجربة مسجد شرق النيل في فن السدانة والإدارة والرعاية وحتى الإمامة من قبل أوقاف ولاية الخرطوم.. والشيء بالشيء يذكر.. بحيث يرأس مجلس لجنة المسجد الأخ عبدالوهاب محمد أحمد، وهو يرقد على تجربة ربع قرن تراكمية من فنون الإدارة المصرفية.. كما يدير المال مؤسسيا كادرا في كفاءة رجل الحوسبة والمال الأخ عمر قرين وآخرين يحتشدون بالكفاءات مدججين بالدرجات والخبرات.. غير أن هذا الضرب من الأعمال يعد عملا تطوعيا يبتغي الجميع من ورائه الأجر العظيم.. كما أنه ضرب شعبي أهلي، بحيث تختار مثل هذه اللجان الشعبية من جمهور المصلين بمختلف مدارسهم الفكرية والمذهبية، وهم يومئذ كما لو أنهم يمثلون جمعية عمومية و.. و..

ظللت.. والحال هذه.. أترقب جهة حكومية ما في المحلية أو الولاية أو حتى الأوقاف أن تنهض ذات يوم وفاء لتقول لهذه اللجنة أحسنت جزاكم الله خيرا، فبدلا من ذلك فوجئنا وفوجئت لجنة المسجد أمس الأول باستلامها إصدارات أمر قبض لعدم تسديدهم رسوم النفايات.. فبادئ ذي بدء هذه ضربة قاضية في مقتل لهذه المجموعة المتميزة التي يتجه بعض أفرادها الآن لتقديم استقالاتهم.. غير أن مثل هذه اللجان التطوعية لا تعد شخصيات اعتبارية كمديري الشركات والمؤسسات لتستدعي بالاسم إلى المحابس ومقارات الشرطة والقبض.. فضلا عن أن المسجد هو المكان الذي أعظم قداسة وأكثر حاجة لتتضافر الجهود الرسمية والشعبية لخدمته.. وعلى طريقة (جو يساعدوه في حفر أبوه دس المحافير) فهذا المسجد هو مسجد حكومي بامتياز والحكومة هي التي شيدته.. جزاها الله خيرا.. ويفترض أن هؤلاء الإخوان في لجنة المسجد يتطوعون لمساعدة الحكومة التي حررت إحدى آلياتها أمر قبض في حقهم !!

الرأي عندي.. سيدي الوالي.. أن يعتذر لهولاء الإخوان الشرفاء الذين لم يكن في تاريخهم وسيرتهم المهنية والذاتية أمر قبض أو إخلال بمسؤولية أخلاقية.. ذلك إن لم يكن بوسع الولاية تكريمهم والإحسان إليهم.. وأنا أعرف أنهم لم يخرجوا أصلا لذلك.. فليس أقل من فك حبل أمر القبض من رقاب رئيس اللجنة ومديرها المالي وإمام المسجد ..

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم، وللذين حرروا هذا الأمر إنه الغفور الرحيم ..