جعفر عباس

أبعد عن الجل يا رجل

[JUSTIFY]
أبعد عن الجل يا رجل

صرت لا أحكم على الناس بمظاهرهم الخارجية، بعد ان اكتشفت انني ظلمت نفسي وظلمت غيري عندما تعجلت في إصدار أحكام بالسوء على أشخاص طيبين، قياسا على طريقتهم في اللبس او الكلام، او عندما حسبت آخرين ملائكة أطهارا، استناداً إلى مظهرهم الخارجي، واتضح لاحقا انهم مستهبلون ومنافقون يتقنون فن التمثيل الاجتماعي، وقد قلت مرارا وسأظل أقول إنني لا اعتبر الشاب الذي يكوي شعره و«يسبسبه» جانحا او منحرفا.. ولا ذاك الذي يقصّ شعره بطريقة عجيبة وغير مألوفة «شاذا». أقول هذا رغم أنني لا أسمح لأيّ من ولديّ الاثنين بكيّ الشعر او قصِّه جريا وراء موضات وصرعات تتوالى علينا وكأننا «ناقصين بلاوي». وأعتقد انني أعاني من نوع حميد من ازدواج الشخصية، ذلك أنني «تقليدي» في نواح كثيرة، ولكن هناك مستجدات كثيرة في عصرنا الراهن الذي أعيش على هامشه كمتفرج لا أرفضها لغيري حتى لو رفضتها لنفسي: مثلا لا يمكن ان أضع شيئا على شعر رأسي، بل لا استخدم الشامبو في غسله (وعلى مسؤوليتي فالصابون أكثر أمانا من معظم أنواع الشامبو). وأود اليوم ان أخاطب جيلا كاملا من الشباب يستخدم المادة التي تسمى جل «gel» لإعطاء الشعر لمعانا وللحفاظ على شكل التسريحة، فبعض أنواع الجل هذا تتسبب في نمو النهود عند الرجال.. نعم وحتى لو كان من يستخدمها طفلا في الخامسة فإن نهديه يبدآن في النمو بمعدلات تفوق المعدلات الأنثوية.. قرأت هذا الكلام في مجلة نيو إنجلند الطبية في سياق بحث أجرته كلية الطب بجامعة كولورادو الأمريكية والمعهد الوطني الامريكي للصحة.. اكتشف الباحثون ان الجل الذي يحتوي على الخزامى وزيت شجرة الشاي يسبب اضطرابات هرمونية تقود الى الحالة التي يسميها الأطباء غاينيكوماستيا وهي بروز صدر الرجل على نحو غير مألوف، ويرجح ان الخزامى وزيت شجرة الشاي يسببان خللا في إشارات هرمونات الأوستروجين والأندروجين… دعنا من هذا الكلام العلمي «الكبير» واسأل نفسك: هل لمعة شعرك تستأهل ان «ترحل» عن عالم الرجولة لتكتسب ملامح انثوية.. أعرف ان كل قارئ يستخدم الجل سيقرأ الكلام المكتوب على الأنبوب او القارورة ليتأكد من أنه لا يحوي ذينك العنصرين (قد لا يعرف بعضهم ان الخزامى بالانجليزية هي اللافندر (lavender) ولكن من يضمن لك انه حتى لو كان الجل الذي تستخدمه لا يحوي الخزامى فإنه قد يسبب لك الندامة بعد ان يكتشف باحثون آخرون أن عناصر أخرى في الجل تسبب ما هو أسوأ من الخنوثة! هناك حكمة جعفرية أهديها للرجال والنساء: إساءة الظن بمنتجات التجميل الكيميائية تجنبك الكثير من المتاعب الصحية.. فببساطة، فإن تعريض الجسم الى اي عنصر غريب عن تكوينه الطبيعي لا بد ان يكون باهظ الثمن.. وآخر صرعات التجميل تبييض الأسنان في صالونات الكوافير بمواد كيمائية bleach .. تكتسب خلال دقائق صفين من اللؤلؤ.. وبعد سنوات قليلة يتحول اللؤلؤ الى نحاس صدئ! إذا كان لا بد من تبييض الأسنان فالجأ الى طبيب أسنان فنان. وأفضل من كل هذا أن تقتدي بأبي الجعافر الذي إذا وقف أمام المرآة صاح: ما شاء الله .. عيني باردة.. سنة يا أبو الجعافر.. لولا أنك حلو وتجنن لما وجدت واحدة تقبل بك زوجا.. على الأقل أحلى من شعبولا والقذافي.. أعطاني الله عينين صينيتين ولكنهما تؤديان الغرض وأنفا افريقيا عرضه بوصتان ويستطيع شفط الأوكسجين من كوكب زحل.. قد يراني الآخرون شينا.. جاتهم نيلة.. أنا راضي بما قسم الله لي من تقاسيم وملامح ولا أقوم بتعديل شيء منها إلا ما يقع تحت اختصاص الحلاق.

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]