ضرب «بعض النساء» ضرورة
صارت أخبار المشاجرات في صالات الأفراح الخليجية بين النساء، موالا شبه ثابت في الصحف العربية، وتدور كلها تقريبا حول اكتشاف ان امرأة ما نجحت في «تهريب» هاتفها الجوال ابو كاميرا (والآن صارت جميع الجوالات مزودة بكاميرات فائقة الدقة) واستخدامه لالتقاط صور للمشاركات في حفلات الزواج، فتقوم مجموعة من النساء بالهجوم عليها لمصادرة الجوال ومسح ما عليه من صور، بينما الرجال يسدون مداخل القاعات منعا لهروب صاحبة الجوال، وينقسم الحضور داخل الصالة الى فريقين: قريبات وصديقات صاحبة الجوال يدافعن عنها والغالبية يحاولن الفتك بها، فتختلط الحامل بالخامل والآنس بالعانس والسلاح النسائي المفضل في المعارك هو حقائب اليد ثم الأحذية.
المسألة «على بعضها» مزعجة، ولكنني أتعاطف مع من يهاجمن مستخدمات الجوال ذي الكاميرا لالتقاط صور الناس على غفلة منهم، فأن يقوم شخص ما بالتقاط صورتي من دون إذن مني انتهاك لخصوصيتي، وطالما ان هناك من يعانون من أمراض أخلاقية فتاكة ويستخدمون صور بنات الناس للتلاعب بها بالتعديل والتحوير والحذف والإضافة، ثم نشرها عبر الهواتف والانترنت من خلال بوابة يوتيوب أو واتساب، لإلباسهن تهما جائرة، فمن الطبيعي والبديهي ان تستنكر النساء قيام بعضهن بتصويرهن خلسة، لأن التصوير خلسة يعد في حد ذاته دليل سوء نية وطوية، وينطبق هذا الحكم على برامج الكاميرا الخفية التلفزيونية التي تقوم عندنا على استغفال البسطاء وتصويرهم في أوضاع تعكس سوء تصرفهم أو جهلهم أو حتى غبائهم، ومن ثم فلا تكاد حلقة من تلك البرنامج تنتهي بدون ضرب ولكْمات وشلوت.. ورغم هذا ينجح معدو تلك البرامج في إقناع أولئك البسطاء بأن الأمر مجرد مزحة و«ما فيها شيء لو نقلنا المشهد للجمهور، وأنت حتصير مشهور».. وفعلا يتم بث مشاهد البرنامج ويصبح من ظهروا فيه مشاهير ولكن كبلهاء وسذج ويظلون موضع تندر الناس الى حين من الدهر.
الإنسان بطبعه يفضل ان تكون له خصوصية حتى وهو يعيش بين أفراد أسرته، لذا تجد البنات والأولاد يغلقون أبواب الغرف على أنفسهم، فكل ما يريدونه هو بضع دقائق يخلون فيها الى أنفسهم حتى ولو ظلوا مستلقين على الفُرش يحملقون في السقف من دون تركيز. وفي الطائرة مثلا تجلس في مقعدك وتدعو الله سرا ألا يأتي أحد ليجلس في المقعد الملاصق لك.. وتحب الزوجة زوجها وبيتها ولكن تأتيها أحيانا الرغبة في الخروج من البيت والابتعاد عن الزوج، حتى لو لم يكن فرعونا أو لزيارة صديقة أو قريبة تستعيد معها ذكريات معينة أو لأن تلك الصديقة أو القريبة حلوة الروح والدم والجلوس معها يبعث السرور والابتسام.. ويحرص كثير من الموظفين على ان تكون لهم مكاتب مستقلة، لا لأنهم يكرهون بقية زملائهم.. بل كل ما هناك هو أن جلوس الإنسان بمفرده يعطيه الإحساس بأنه شخص متميز.. وكل إنسان على وجه الأرض متميز بمعنى انه يختلف عني وعنك وعن سوانا في أشياء كثيرة! هل لاحظت ان الكثير من المشاهير يهجمون على المصورين الصحفيين ويضربونهم ويحطمون كاميراتهم، رغم اعتياد أولئك المشاهير على الأضواء؟ إذن ستجد العذر للنساء الخليجيات العاديات اللواتي يمارسن المصارعة غير الحرة مع قليلات الذوق اللواتي يلتقطن صورهن خلسة.. اضربوهن بالشباشب ثم صوروهن بهواتفهن وهن في قمة البهدلة.
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]