لقاء علاقات عامة
> لم يفهم كثير من الناس مغزى اجتماع الحكومة والحركات المسلحة الذي انطلق أول من أمس في العاصمة الاثيوبية أديس ابابا، نظمته ودعت له الآلية الأفريقية رفيعة المستوى برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو امبيكي، وقد دخلت الآلية «مقطوعة الطاري» في كل القضايا والأزمات السودانية بلا حرج واستئذان، ولو حدث فراق بين المرء وزوجه لوجدت آلية امبيكي على الخط تتولى الوساطة والإصلاح ومحاولة التوفيق.. لو «شُنقِلت طُوباي» للقينا «دهابية» السيد امبيكي تحتها!!!
> صحيح أن هناك مبررات وحجج تساق وتقال.. بأن مبادرة الحوار الوطني وتكليف السيد امبيكي بالتوسط بين الحكومة وحركات دارفور لحثها على الانخراط في هذه العملية، تسوغ عقد هذا اللقاء وضم الجميع للحوار الوطني وكسبهم لصالحه وصفه وهو هدف حميد، بالرغم من أن الحكومة ظلت ولم تزل، تقول بأنه لا سبيل لفتح حوار وتفاوض جديد يكون عوضاً أو بديلاً عن منبر الدوحة التفاوضي ووثيقتها التي صارت ركيزة وحيدة للسلام في دارفور.
> اجتماع أديس ابابا ليس استكشافاً لمواقف معلومة في الاساس من الحكومة والحركات وما يسمى بالجبهة الثورية ، ولا هو محاولة لتليين هذه المواقف أوتوضيح ما هو كائن بشأن التطورات السياسية الجارية في البلاد، لكن في ما يبدو أن انعقاده في أديس ابابا مطلوب لذاته وتنفيذ ما هو مقرر ومقترح من الآلية وأداء فرض قطعته على نفسها وسعت له، وسبب هذا القول أنه لا نتيجة ترتجى من هذه الاجتماعات، فالمواقف كما هو واضح من كلمات الوفود، لم تتجاوز المناطق التي يقف فيها كل طرف والمسافات متباعدة، فلا الحركات ستقبل بالانضمام لوثيقة الدوحة، ولا الحكومة ستفتح تفاوضاً جديداً مع الحركات تتجاوز فيه ما تم في العاصمة القطرية.
> لذا فإن لعبة شد الحبل هي التي تجري الآن في العاصمة الأثيوبية رغم العبارات الهادئة وغياب التشنج، فلكل طرف حساباته، فالحركات تنظر إلى الواقع الدارفوري وصعوبة تأثيرها على الأرض لضعف قدراتها العسكرية وضمور دعايتها السياسية وزهد كثير من منسوبيها في الحرب، وسأم أهل دارفور من حرب لا طائل من ورائها..
> لكن الأخطر في هذا الائتمار، وجود قيادات قطاع الشمال في الحركة الشعبية ضمن الوفد الذي يمثل الحركات المتمردة في اجتماعات اديس، وذلك يعني ان المناقشة تجري تقريباً بالتزامن مع التفاوض حول قضايا المنطقتين للقضايا الاخرى التي يسميها قطاع الشمال بالقضايا القومية، بالفعل استطاعت الآلية عبر النافذة وليس الابواب المشرعة، إقحام قضية دارفور رغم الفروقات بين المسألتين في مسار ما تم قبل أيام قلائل من تفاوض حول وضع جنوب كردفان والنيل الأزرق.. فبشكل ما يتم ربط الموضوعين مع بعضهما البعض وقد ابتلعت الحكومة الطعم وإزدرد السم الذي دس لها في الدسم.
> ولا يغيب عن الجميع أن اللقاء لا يعدو كونه لقاء علاقات عامة، على خلفية موسيقى تصويرية يقودها المايسترو ثابو امبيكي، ثم ينفض السامر دون التوصل لنتيجة لأنه المقصود ليس نتيجة إيجابية تصب في صالح السلام والاستقرار والأمن في دارفور، فالجهات الأجنبية التي تدير عمل المفوضوية الأفريقية وآليتها الرفيعة المستوى، نجحت في جرجرة الجميع إلى هذا اللقاء، رغم مظهره الشكلاني الجيد، وستتورط الحكومة في ما يشبه المنبر التفاوضي الجديد ويعاد اجترار الموضوعات التي قتلت بحثاً في الدوحة ..!
> إذا كانت الحكومة لا ترى أية مشكلة في ظهورها في الاجتماعات بوفدها التفاوضي المخصص لقضية دارفور وبعلم الوساطة المشتركة للجامعة العربية والاتحاد الأفريقي التي تقودها دولة قطر، وتركت المجال واسعاً لآلية امبيكي لتحريك دفة المركب التفاوضي بخصوص دارفور بحجة دعم واستقطاب الحركات المتمردة للحوار الوطني، فإن الحكومة هي أول من يعلم أن الحركات لا ترغب في الحوار الوطني ولن تشارك فيه ولن تكون طرفاً فيه مهما قُدم لها من دعوات أو حتى تنازلات.. ومن يعش رجباً يرى عجباً.. كما قالت قديماً العرب ..!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة