التفكير في الهجرة
في بعض الأحيان ونحن نتجول بين فضائيات الدنيا شرقا وغربا أشعر بحاجتي للعودة للوطن كما عنترة بن شداد في معلقته.. وكأنها فدن لأقضي حاجة المتلوم.. فأختار العاشرة مساء عودة للوطن متزامنا مع ميقات نشرتنا الرئيسية.. غير أني سرعان ما التحق من جديد (بجماعة التفكير في الهجرة).. والقصة المرهقة تبدأ بدعاية لشركة ال جي ثم تأخذنا مساقات النشرة إلى تلاوة الخطوط الرئيسية مصحوبة بموسيقى مجلجلة.. ثم لا نلبث أن يطل علينا مذيعان وبدلا من أن يذهبا بنا مباشرة إلى تفاصيل النشرة الإخبارية التي تعرفنا على خطوطها منذ قليل.. يرواحان مكان خطوطهما العريضة ويعيدا علينا ترويستها بذات الرتابة.. ثم جملة مرهقة أخرى من المذيع الذي يبتدر بالتحية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هذه نشرة العاشرة الرئيسية، وفيها و.. و.. و.. أهلا بكم.. ثم يلتفت مرة أخرى إلى زميلته التي تقول العبارة ذاتها.. ثم نذهب مرة أخرى إلى فاصل موسيقي و.. و.. “المهم لمن روحك تطلع يأمولانا حتي تجيك تفاصيل الخبر الأول”!! وياله من تفصيل لا يشفي الغليل ولا حتى القليل ممن ننتظر.. تكاد تذهب في ركائب العبارة القرشيية.. تبا لك أيها التلفزيون القومي أفلهذا انتظرناك كل هذا الوقت؟! هذا غير التنطع والتلفت الذي يكاد يؤدي بالرقاب!! والبطء الذي يلازمنا يكاد يغتال الصورة المصاحبة للخبر.. التي غالبا ما تأتي متأخرة وبحركة متثائبة ومتسيبة غير رشيقة.. فالزمن التصويري الذي يفترض أن يوزع على كل شركاء الخبر تراه يبحلق في شخص واحد ليس بالضرورة أن يكون هذا الشخص هو بطل الحدث.. غير أن الكاميرات في هذه الحالة يجب أن تعطي أهمية خاصة لتغطية الحدث ذاته محل الشخوص.. ولنضرب مثلا.. لو أن الكاميرا خرجت مع مسؤول كبير من الخرطوم لتدشين موسم حصاد الذرة بالقضارف.. فالذي أكبر من المسؤول الكبير هو الحدث الأكبر الذي هو في هذه الحالة حصاد الذرة الذي ينتظره كل السودانيين.. فيفترض أن تحتفل الكاميرا بحقول الذرة عندما تملأ شاشتها مرات ومرات بقناديله.. غير أن الذي يحدث أن الكاميرا في الغالب ستحتفل بضيفها الكبير الذي خرجت معه من الخرطوم.. لتصبح دلالة الخبر هي خروج الرجل الكبير من الخرطوم إلى القضارف.. وليس الخبر.. يارعاك الله.. هو خروج محصول الذرة من الأرض إلى رفد الاقتصاد وهذا ما ينتظره المواطن.. أما بالنسبة للمسؤول فهو لا محالة يكون قد ظهر في أكثر من خبر ومكان!!
لسوء حظ تلفزيوننا القومي أن مدارك السادة المشاهدين قد اتسعت وترقت باتساع ورقي شاشات ونشرات العالم.. فأصبح المثال بعيدا جدا وذلك مقارنة بقنوات تبذل ملايين الدولارات وتستجلب أميز الكفاءات التحريرية والإذاعية.. غير أننا لا نطالب فضائيتنا الرسمية التي لا خيل لها ولا مال تهديه غير أن يسلم المنطق والنطق.. فلا نطالبها أن تستقدم خديجة بنت قنة ولا محمد كريشان، لكنه بالإمكان إنتاج أحسن مما كان.. فعلى الأقل (إن خادم الفكي مجبورة على الصلاة) كما يقول المثل الشعبي.. فنحن مجبورون في حالات كثيرة أن نهرع لشاشتنا خاصة عند الملمات الداخلية.. برغم أن قرب الدار ليس بنافع إن كان من تهوى ليس بذي عهد.. خاصة في ظل قنوات مثل الجزيرة يمكن أن تلتقط خبرا من تحت أرجل تلفزيونيا الذي ينتظر إذن بث من الوزير أو ينتظر نشرة العاشرة الرئيسية.. وإذا بثه الآن فماذا سيقول للناس ساعتئذ.. اللهم إلا أن يقول (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) الآية الكريمة و… و. .
أخي الأستاذ سموأل خلف الله.. أصدقك القول.. ويمكن أن تجرب بنفسك.. إننا نذهب للجزيرة ونشهد موجز أنباء العاشرة ثم نعود لفضائيتنا لنجدها (يا دابك تتطلطل) ولم تدخل إلى متن الأخبار بعد.. على أن الخطورة في هذه الحالة تكمن في أن الهروب والهجرة لا تحتاج إلى أكثر من عناء الضغط على الرموت و.. و..
شيء آخر.. أرجو أن تتقبل تعازينا في رحيل الوالدة.. اللهم إنها فقيرة نزلت بدار رحمتك فأكرم نزلها ووسع مدخلها وارحمها.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
[/JUSTIFY] أبشر الماحي الصائمملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]