العدل والمساواة.. تخسر قياداتها تدريجياً بسبب العشائر
منذ هجومها الفاشل على مدينة أم درمان في مايو 2008م، ظلت حركة العدل والمساواة تتخلص من كوادرها لا سيما السياسيين، وتعمل على تجميع السلطات السياسية والعسكرية في يد رئيسها د. خليل إبراهيم وشقيقه د. جبريل وعشيرته. مما جعل عدداً من القيادات الفاعلة يتقدم باستقالته أو الإنزواء بعيداً، حيث كان آخرهم يوسف أحمد آدم الذي كتب مذكرة كشف فيها عن حقيقة الصراع وإعفاء د. هارون عبد الحميد وخطاب وداعة.
وبالعودة للحركة في العامة 2005م، يُلاحظ أن الحركة قدمت كوكبة من الكوادر المميزة والمؤهلة لخوض كافة أنواع المعارك السياسية، وهم: جمالي حسن جلال الدين، إدريس أزرق، نصر الدين حسين دفع الله، هارون عبد الحميد هارون، تاج الدين بشير نيام، إسماعيل رحمة، عثمان فضل واش، بحر إدريس أبو قردة، أبو العباس الطيب جدو وإبراهيم يحيى.. لكن جميع هؤلاء اختفوا عن قائمة كوادر الحركة بحيثيات مختلفة لكن بسبب واحد ألا وهو: «التخلص من هذه الكوادر لتكون السيطرة لآل عبد الرحمن».
فالجمالي الذي يعتبر أحد أميز أبناء دارفور في التاريخ المعاصر تم الزج به في هجوم أم درمان حيث قُتل هناك. فيما تم فصل إدريس أزرق عن الحركة لمعارضة احتكار السلطة في أيدي محددة، ومطالبته بمزيد من الشفافية في الصرف المالي داخل الحركة. ولنفس السبب فصل الأستاذ نصر الدين حسين لأنه محرّم على أية عضو في الحركة انتقاد خليل إبراهيم، أو الحديث عن الصرف المالي أو انحصار السلطة الفعلية في أيدي رئيس الحركة، عدا السلطة الصورية التي بموجبها يمنح لقب الأمين المالي أو السياسي أو.. أو.. إلخ دونما سلطة فعلية..
والأستاذان تاج الدين نيام وبحر أبو قردة هما الوحيدان من بين المجموعة المذكورة أعلاه من قبيلة الزغاوة الكوبي، ولكن من فخذ بالقبيلة غير فخذ رئيس الحركة، وقد عارضا تحويل قيادة الجيش من القائد عبد الله بندة إلى القائد عبد الكريم شلوي وعبد العزيز عشر. كما عارضا اعتماد رئيس الحركة على أقربائه فقط في التخطيط والتوجيه والائتمان بعد انتقاله إلى الميدان، حيث أصبح خليل يشرف بنفسه على مجريات الأمور العسكرية. يذكر أن هذه السلطات كانت في يد أبو قردة، والذي مارس هو الآخر نفس السلوك عندما كان مشرفاً على العمل الميداني، بل كان مهندس فصل محمد صالح حربة وجبريل ودعم بشدة إدريس أزرق ونصر الدين دفع الله، ولكن المهم في الأمر أنهم فصلوا لانتقادهم رئيس الحركة. أما إسماعيل رحمة فقد تم فصله بعد تقديمه استقالته وانضمامه لحركة عبد الواحد، حيث هو أشد الرافضين لطريقة إدارة الحركة ونهجها في مفاوضات أبو جا. فيما وقف يحيى إبراهيم الذي كان رئيساً تشريفياً للمجلس التشريعي متفرجاً على عمليات الفصل الانتقائية، دون دعوة المجلس للانعقاد، بل إن مجلسه لم يعقد أي جلسة بهذا الخصوص برغم أن لديه سلطة إجازة تعيين رئيس الحركة، وظل بلا رأي فقرر العودة إلى البلاد معللاً ذلك بتقدمه في السن ولكن هذه ليست هي الحقيقة.
أما عثمان واش الذي كان أميناً للشؤون القانونية فقد أمضى معظم وقته في الميدان، وحينما تذمر أبناء الميدوب واحتجوا على عدم ترقيتهم عسكرياً اتهمتهم الحركة بتدبير مخطط إجرامي، فقامت بعملية عسكرية ضد كتيبتهم حيث تم قتل قياداتهم وأسر ومحاكمة آخرين ميدانياً. وقد سعى واش لمعرفة المحاكمات وطالب بتحقيق مستقل في الأحداث لكنه فشل في تحقيق مطلبه، فسافر إلى أسمرا وأصدر بياناً مقتضباً عبر المواقع الإلكترونية أعلن فيه استقالته من الحركة. أما أبو العباس الذي كان نائب رئيس الاستخبارات فلم تتم ترقيته وقد سافر إلى القاهرة للعلاج، حيث أهملته الحركة ولم يزره قادتها الذين كانوا يأتون إلى القاهرة، مما دفعه للابتعاد عن الحركة قبل أربعة أشهر. وقد كان د. هارون عبد الحميد أحد مؤسسي الحركة وأول من قدمها للمجتمع الدولي، ولكنه ظل منتقداً لطريقة إدارة خليل وغياب الشفافية في المسائل المالية لا سيما أوجه الصرف، بجانب حصر تمثيل الحركة بوفد ثابت مكون من جبريل إبراهيم شقيق خليل وأحمد تقد لسان وبشارة سليمان، وانضم إليهم أخيراً سليمان جاموس بجانب أحمد حسين.
وقد تم استبعاد هارون بسبب مواقفه وتم تعيينه مستشاراً للرئيس وهو منصب صوري وبعيد من القيادة التنفيذية. وهذا ينطبق أيضاً على الأستاذ خطاب وداعة الذي شغل منصب الشؤون الاجتماعية بعد نصر الدين دفع الله، لكنه أعفي لانتقاده للحركة. بعد انتقال خليل إلى الميدان سعى شقيقه «جبريل» للانفراد بسلطة الإدارة خارج الميدان، فعمل على تحويل قيادة الجيش من القائد عبد الله بندة إلى عبد الكريم شلوي تمهيداً لتولي الأسرة إدارة الحركة، وقد سبق ذلك تعيين بارود صندل قائداً عاماً للجيش. وبعد انضمام بعض قادة حركة تحرير السودان بأجنحتها المختلفة إلى الحركة قامت العدل والمساواة باستيعاب بعض المنضوين، وعينت منصور أرباب أميناً لشؤون الرئاسة وأبو بكر حامد نور أميناً للتنظيم والإدارة، وهو أحد أقارب خليل.
سياسياً تم تعيين آدم علي شوقار أميناً للشؤون السياسية وجبريل آدم بلال نائباً له، لكن د. جبريل إبراهيم سعى لأن يبقى شوقار في الميدان وساهم في مغادرة بلال إلى لندن وحاول إلحاق د. هارون عبد الحميد به، وبهذا استطاع د. جبريل إبعاد طاقم الأمانة السياسية إلى الميدان، فأصبح هو المسؤول الحقيقي عن الحركة بالخارج. أما بخصوص المفاوضات فقد أسند لها أحمد تقد لسان أحد أقارب خليل وهو الآمر والناهي.
وبهذا يكون د. جبريل إبراهيم قد أصبح رئيساً للحركة بالخارج وقد استطاع مع شقيقه أن يحولا الحركة إلى شركة خاصة . وأصبح هو الذي يحدد وفود الحركة إلى الخارج حيث الرئيس وبجانبه تقد وبشارة سليمان، أما البقية فمن ينتقد هذا الوضع منهم فسيكون مصيره الفصل والاتهام بالعمالة لصالح الحكومة.
وبشأن د. هارون عبد الحميد وخطاب وداعة لما عجز د. جبريل عن إبعادهما إلى الميدان، طلب د. جبريل من القيادات في لندن دراسة أمر المشاركة في مؤتمر الدوحة. لكن وبينما كانوا مجتمعين فاجأ الناطق الرسمي الجميع وأعلن لوسائل الإعلام مشاركة الحركة ليقطع الطريق أمام المجتمعين في لندن. بل أنه أخبرهم بتسمية الوفد من أربعة أشخاص رافضاً إضافة آخرين، مما دفع هارون وخطاب للسفر إلى الدوحة بصفتهما الفردية خاصة وأنهما ليسا عضوين بالمكتب التنفيذي للحركة، حيث سافرا على نفقتهما الخاصة. وبعد انتهاء مؤتمر الدوحة للمجتمع الدارفوري، أطلق د. جبريل التهم وقال إن الشخصين سافرا على نفقة الأمن السوداني، وإن خطاب سرب معلومات سرية خاصة بخليل إلى الحكومة فقرر د. جبريل فصلهما من قائمة مستشاري الحركة، بجانب «تيمان دروا»، حتى لا يفهم أن الإعفاء جاء في سياق قبلي.. وتم ذلك دون محاسبة أو استدعاء. وتعتبر حركة العدل والمساواة قوية عسكرياً مقارنة ببقية الحركات، لكن تدار بطريقة عشائرية ولا يسمح لأحد انتقادها ولا مساحة فيها للحوار والتشاور أو التنوع. وإن بقية القيادات مسؤولياتهم صورية، مثل أحمد آدم بخيت نائب رئيس الحركة الذي لا قيمه له في وجود خليل في الميدان، وكذلك أحمد حسين آدم فهو متحدث لبق وسريع البديهة لكنه عجز عن تطوير الوسيلة الإعلامية للحركة، وهو في حالة خلاف دائم مع كل من يعمل معه. حيث لديه مشكلات مع د. إدريس أزرق أستاذ الإعلام كما أنه اتهم خطاب بنشر خبر إرجاعه من مطار جون كنيدي.
كما أن هناك قيادات داخل الحركة ليست لديها الفاعلية مثل د. عبد الله التوم الذي يشغل أمانة التخطيط الإستراتيجي ولكنه يقوم بعمليات الترجمة فقط. أما الطاهر الفكي رئيس المجلس التشريعي الحالي فلا صلة له بالتشريعات وسن القوانين داخل الحركة.
كما أن الحركة تفضل دائماً أن يشارك سليمان جاموس في الملتقيات الخارجية برغم أنه مسؤول عن الشؤون الإنسانية.
المصدر : آخر لحظة