ضنك المعيشة وانسحاب الحياة
يحكى أن ما أن ينبثق صباح جديد في بلاد السودان إلا وازدادت المعيشة ضنكا، وتثاقلت الهموم على قلوب وعقول السودانيين، فالصباحات السودانية صارت تراكم في كل يوم البؤس والعذاب والقهر، وتحولت إلى كوابيس تنفتح على النهارات بدلا أن تكون مفتتح أمل ليوم جديد، فالآن كل (سوداني) يواجه أزمته في أبسط أشكالها الحياتية، مطاردة لقطع خبز أو جريا وراء (قريشات) تقي أطفاله مسغبة مرشحة للتحقق آجلا أو عاجلا، فكل الدلائل والمؤشرات (المعيشية) تقود إلى ذلك، وكل (الشلهتة) المتراكمة تسوق إلى هذا الطريق.. فالسوداني يتوجع (منفردا) الآن على هامش الحياة.
قال الراوي: أن تتحول الحياة وتختزل إلى هذا الشكل من الطلبات والرغبات الأولية، فهذا يعني أن انسحابا كاملا قد تم من دوائر المعنى الأخرى لهذه الحياة، ويعني أن مراكز حيوية (كبرى) في سبيلها إلى التعطل والوهن والموات بداخل عقل الإنسان، ويعني أن هذا الإنسان نفسه في طريقه إلى التحول إلى كائن بدائي يرتد إلى بدايات التاريخ، تختصر كل الحياة عنده إلى مفهوم غريزي (واحد) قد يأخذ معناه من التفسيرات المبسطة للنظرية الدارونية.
قال الراوي: ما سيحدث أن هذه (المكابسة) الحياتية (الضحلة) ستدفع بعد قليل بالإنسان السوداني إلى شراسة نفسية تمتاح فقط من هستريا البقاء الغريزي، شراسة وهستريا سيولدان تأكيدا شروخا في هذه النفسية ستمضي بها صوب عنف جسدي وعقلي، وإلى جفاف روحي يجعل من الحياة مجرد بحث عن قطعة من (الخبز الحاف) وسط بوار كامل لملكات النفس الأخرى، فالروح وفي هذا الطريق ستذبل وهي حية، وستموت قبل أوانها وهي تنطفئ مع (لطمة) هستيرية متوالدة عن العجز الإدراكي اليومي المنتج عن انسحاب الحياة.
قال الراوي: هل تحدث حالة الراهن (ردة جينية)، بأن تخرج مساحات (الغباش الحياتي) هذه أطفالا معطوبين من الداخل، مساحات الشعور لديهم معطلة، وتأويلات المعنى ومرموزاته مغيبة عن قدراتهم الإدراكية؟ هل تحدث (جينات الهسترة) المتكونة الآن (كائنات) معيشية لا ترى في الحياة من معنى سوى طعم (المكابسة)، حياة للتناحر والتنافر والانكماش والتبلد، هل يمكن أن تموت روح السوداني هكذا بطيئا في رحلة الانسحاب اليومي هذه؟ هل ماتت بالفعل؟
ختم الراوي؛ قال: أن تتحول الحياة إلى (معيشة فقط) يعني مواتها.
استدرك الراوي؛ قال: أن تستلب المعيشة (الحياة) يعني موات الإنسان.
[/JUSTIFY]أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي