الأمـــــــــــــم المتحـــــــدة مـــــن الداخــــــــــل «1»
> ظروف وأوضاع دولية شديدة التعقيد ألقت بظلال كثيفة على اجتماعات الدورة «69» للجمعية العامة للأمم المتحدة، المستمرة الآن في مواصلة الاستماع لبيان الدول والبلدان التي يقدمها الرؤساء ورؤساء الحكومات الوفود، في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية مقر القمة، ولا يجد المرء مناصاً من الاستماع للآراء المتعددة في أروقة مقر المنظمة الدولية، وما يقوله بعض القادة في بياناتهم وأحاديث المسؤولين من مختلف دول العالم، عن جدوى إعادة هيكلة الأمم المتحدة ومراجعتها وإصلاح نظامها ومؤسساتها، حتى تستطيع الاضطلاع بدورها المحدد لها.
> ولا تخطئ الأعين على الإطلاق، أن الحاجة باتت متزايدة لإصلاح هذه المنظمة التي صممت منذ إنشائها على تحقيق الأمن والسلم الدوليين والتنمية ورفاهية الإنسان في كوكب مليء بالنزاعات والحروب والدمار والتخلف والأمراض والفقر والجهل.. وتساور المخاوف والقلق كثيراً من قيادات وممثلي الدول خاصة العالم الثالث والبلدان البعيدة عن اتخاذ وصناعة القرار الدولي، بسبب هيمنة الدول الكبرى ــ خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ــ على مقاليد الأمور في العالم وتوظيف المنظمة الدولية في تمرير وإخراج القرارات وإكسابها الشرعية الدولية وتسخيرها لخدمة الأهداف الإستراتيجية لها.
> ومن لا يدخل الأمم المتحدة ومقرها الكائن على ضفاف النهر الشرقي عند الشارع رقم واحد في نيويورك، لا يستطيع تصور كيفية عمل المجتمع الدولي، وكيف تطبخ القرارات الدولية؟ ومن هم اللاعبون الأساسيون على المسرح الدولي، وكيف نشأت هذه المنظمة لتصوغ الوضع الدولي واتجاهاته وتحقق مصالح من أوجد هذه الصيغة للتعاملات الدولية، فمنذ اجتماعات «دمبارتون أوكس» قرب العاصمة الأمريكية واشنطون في أعقاب عصبة الأمم ومع الهزيع الأخير للحرب العالمية الثانية، حيث دعا الرئيس الأمريكي روزفلت كلاً من الاتحاد السوفيتي وبريطانيا للاجتماع في الثاني من أغسطس 1944م، ثم لحقت بهم الصين في سبتمبر من العام نفسه، تمت صياغة الفكرة لإنشاء منظمة دولية تُعنى بالسلام والأمن العالمي ووقف الحروب والاهتمام بالتعاون الدولي في مختلف المجالات وصيانة التعهدات والاتفاقيات الدولية والمساواة بين الدول في السيادة، ثم توجه الجميع بعد إلى سان فرانسيسكو يوم 26 يونيو 1945م، وأعلنت الفكرة هناك ونشأت المنظمة، وحملت بفكرتها وصلاحياتها من الشاطئ الغربي للولايات المتحدة في كالفورنيا إلى الشاطئ الشرقي في مدينة نيويورك، وتعود تسمية المنظمة بهذا الاسم للرئيس الأمريكي روزفلت، فهو أول من نطق بهذا الاسم لوصف الوليد الذي لم يحدد اسمه بعد صرخته الأولى، فقد كان جنيناً مسمى وهو في أحشاء العالم الأول.
> وتنقسم الأمم المتحدة إلي عدة أجزاء رئيسة تشكل هيكلها، فالجمعية العامة تضم كل دول العالم المستقلة المنضوية تحت راياتها وعددها «194» دولة وآخرها جنوب السودان، وتجتمع مرة في السنة من الرابع والعشرين من سبتمبر حتى نهاية نوفمبر، ويخاطبها لمدة أسبوعين قادة الدول وزعماء العالم أو ممثلوهم، وتتضمن الخطابات الأوضاع في بلدانهم ومواقفهم من القضايا الدولية الملحة والمطروحة. وتنقسم الجمعية العامة إلى عدة لجان، اللجنة الأولى مختصة بنزع السلاح والأمن والسلم العالمي، اللجنة الثانية هي اللجنة الاقتصادية الاجتماعية، اللجنة الثالثة هي اللجنة الثقافية وحقوق الإنسان والمرأة والطفل، اللجنة الرابعة تتعلق بالمسائل السياسية وتصفية الاستعمار، اللجنة الخامسة هي لجنة الميزانية والإدارة بالأمم المتحدة، اللجنة السادسة هي للقانون الدولي وقضايا الإرهاب.
> وتمثل الجمعية العامة خاصة في مرحلة النقاش العام أكبر منتدى في العالم لتبادل الخطب والبيانات التي تحدد مواقف الدول وتوجهاتها وآراءها وسياساتها المعلنة، وتصاحب انعقاد الجمعية العامة اجتماعات وزارية لمجموعات الانتماء مثل دول عدم الانحياز أو التعاون الإسلامي أو الجامعة العربية، أو ترتب لها مجموعات الاتصال وحلقات جانبية متخصصة وجلسات مغلقة ومشاورات، تعقد بمبادرات من دولة من الدول أو مجموعة دول أو هيئات ومنظمات إقليمية أو إحدى منظمات الأمم المتحدة في قضية محددة تتعلق بأوضاع في دولة مثل إفريقيا الوسطى أو الصومال والعراق وليبيا وغيرها، أو يتم تناول القضايا التي تندرج في اختصاصات واهتمامات اللجان الست، سواء أكانت حول التعليم والصحة والمناخ والبيئة والمرأة والطفل وفض النزاعات والسكان وحقوق الإنسان والنازحين وحقوق الإنسان، أو التجارة والاقتصاد والقانون الدولي والملاحة ووضع المحيطات والبحار والأسلحة المحظورة دولياً والحد منها.
> ويتوازى مع الجمعية العامة أخطر جهاز في الأمم المتحدة هو مجلس الأمن الدولي، وهو أعلى سلطة ونفوذاً من الجمعية العامة، فمنذ تأسيس المنظمة الدولية استأثرت القوى الدولية الكبرى بمجلس الأمن، واعتمدت حق النقض «الفيتو» وخصصته لنفسها وأمسكت به فقط خمس دول صاحبة العضوية الدائمة، ثم وسعت على مراحل العضوية غير الدائمة من ست إلى ثمانٍ إلى عشرٍ ثم خمس عشرة، والغريب أن مجلس الأمن الدولي في عضويته الدائمة لا يوجد تمثيل لقارة إفريقيا وأمريكا الجنوبية. ويتخذ هذا المجلس كل القرارات الدولية المهمة ذات الصلة بالسلم والأمن الدوليين والشؤون السياسية وفرض السلام، ووحده يملك آليات التنفيذ لقراراته على غير ما هو متاح لبقية مكونات الأمم المتحدة بما فيها الجمعية العامة، وهو من يختار الأمين العام. ومنذ الحديث عن إصلاح المنظمة الدولية، ترفض الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ونوعاً ما روسيا والصين، أي حديث عن إلغاء حق النقض الفيتو أو انتقاص هيمنتها، ويمكنها فقط القبول بتوسيع العضوية غير الدائمة مع احتفاظها بالدم الأزرق وهو حق الفيتو يجري في عروقها، بالرغم من وجود مقترحات فرنسية تنادي بإلغاء حق الفيتو في الحروب والنزاعات المسلحة، ولعل فرنسا طرحت هذا المقترح لمنع
> روسيا من استخدام الفيتو في المسائل المتعلقة بسوريا والأزمة الأوكرانية، لأن الفيتو الروسي والصيني منع تحركات الدول الغربية عبر الأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات ضد سوريا، وقد سبق للفيتو الروسي والصيني أن استخدم في قضية مايانمار وزيمبابوي، ولم تتخذ الدولتان الحليفتان للسودان أي فيتو مماثل في مواجهة مشروعات القرارات الدولية ضد السودان، بما فيها الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية.
> وبجانب مجلس الأمن الدولي توجد مكونات أخرى في جسد الأمم المتحدة، وهي الأمانة العامة والمجلس الاقتصادي الاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية، وتتبع للأمم المتحد عدة منظمات منها اليونسيف وبرنماج الغذاء العالمي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبرنامج الأمم المتحدة للسكان ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين وغيرها من المنظمات المعروفة.
> لكن المحير والغريب والمؤلم حقاً وتعاني منه دول العالم الثالث، أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تسيطر بنسبة 70% على الوظائف العليا ومفاصل المنظمة الدولية، خاصة في المنظمات التابعة للأمم المتحدة وأجهزتها المهمة مثل عمليات حفظ السلام والإدارات والآليات المتعلقة بالشؤون السياسية وأوضاع الدول، وتدفع الولايات المتحدة 22% من ميزانية الأمم المتحدة وتستضيفها على أراضيها، ولذلك فهي تسيطر سيطرة كاملة عليها، كما أن أكبر بعثة دبلوماسية تعمل في الأمم المتحدة هي البعثة الأمريكية التي تضم مئات الدبلوماسيين والفنيين،
> مقارنة ببعثات الدول الأخرى، فمثلاً بعثة السودان تضم عدداً ضئيلاً من الدبلوماسيين، لكنهم يقومون بجهود جبارة وخارقة في تغطية عمل الأمم المتحدة ولجانها، وهو عمل مكثف وشاق ومرهق يحتاج لأضعاف العدد الموجود، ويقود هذه البعثة مندوب السودان الدائم رحمة الله محمد عثمان وكيل الخارجية السابق، ونائبه السفير حسن حامد حسن، والوزير المفوض حافظ عيسى عبد الله آدم، والمستشاران خالد محمد عثمان وإدريس محمد علي محمد سعيد، ومحمد إبراهيم محمد الباهي، وحسن الصديق أحمد، والسكرتير الأول مصطفى الحسين الشريف، والسكرتير الأول رويدا عز الدين حامد الحسن، والسكرتيران «الثالث» شفق عبد الجليل والمصطفى مبارك حسين، وعدد من الملحقين الإداريين والموظفين وبقية العاملين.. وتقف هذه البعثة حائط صد قوي ينافح عن السودان ويدافع عنه في مواجهات ومعارك سياسية حامية الوطيس.
«نواصل».
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة