مدرس تبع الكنيسة
وصرت مدرسا بمدرسة الكنيسة الأسقفية القريبة من مستشفى أم درمان القديم مدرسا للغة الإنجليزية، ويعرف معظم السودانيين ان المدارس التي كانت تتبع للكنائس في شمال السودان لم تكن تمارس اي نوع ولو غير مباشر للتبشير بالمسيحية، بل كان معظم الطالبات فيها من المسلمات وكن يتلقين دورس التربية الإسلامية المقررة من وزارة التربية على أيدي معلمين مسلمين مؤهلين، وكانت تلك المدارس تتقاضى رسوما تكاد تكون اسمية من بعض الطالبات بينما تقدم التعليم مجانا للمسيحيات، بل كانت مدرسة الكنيسة الأسقفية تقدم المسكن والطعام للطالبات المسيحيات الوافدات من مناطق بعيدة مثل جبال النوبة، وتستطيع أن تقول إن هذا أسلوب ذكي لـ «تأليف» القلوب، ولكن أين منه المدارس «المسلمة»، ولا أقول الإسلامية، هل قام مسلم أو جهة معنية بالدعوة الإسلامية – منذ الفتح التركي عام 1821- بفتح مدرسة واحدة بلا مقابل للطلاب السودانيين الفقراء؟ لا، لم يحدث، بل افتتحت بعض المنظمات الإسلامية مدارس في المدن السودانية الكبرى وتفننت في الجبايات والأتاوات بمختلف الذرائع. يا جماعة في أمريكا نحو 2000 جامعة خيرية أسسها أفراد وجماعات لتوفير فرص التعليم لمن لا طاقة لهم برسوم الدراسة، ولا توجد جامعة في الولايات المتحدة أو أوروبا إلا وبها مقاعد مجانية للمتفوقين والمعسرين. ولماذا نذهب بعيدا: يستطيع أي طالب من أي بلد أن يحصل على تعليم جامعي مجانا في ألمانيا إذا كان ناجحا في الشهادة الثانوية وملما باللغة الألمانية بدرجة معقولة… يللا منتظرين إيه؟ روحوا تعلموا الألمانية لسنة أو سنتين والتحقوا بجامعات ألمانية لتنالوا درجات أكاديمية رفيعة، وأهه فرصة تظلوا قاعدين هناك حتى تتحرر فلسطين.. بالكتير بعد 50 سنة!
كانت مديرة المدرسة الكنسية التي التحقت بها كندية لا خبرة لها بالعمل الإداري، ولم أكن بدوري أملك أي خبرة في مجال الإدارة المدرسية، ولكنني كنت قد عملت أكثر من أربع سنوات في تدريس البنات في المرحلة الثانوية وكنت بالتالي أمتلك الخبرة للتعامل معهن، ولم يعجبني شغل القساوسة والرقة الزائدة عن اللزوم في التعامل مع الطالبات غير المنضبطات، واستخدمت أساليب الحزم التي كانت سارية في المدارس التي عملت بها في ما يتعلق بمواعيد الحضور والانصراف وأداء الواجبات المدرسية في المواعيد المحددة، وكان حزما في غير عنف لأن العنف لا يصلح في التعامل مع البنات، فالعين الحمراء أو صرخة من قاع الحلقوم تكفي، وانتبهت مديرة المدرسة إلى أن الصفوف التي كنت أدرسها يسودها الهدوء والانضباط فاستدعتني وطلبت مني أن أكون مساعدا اداريا لها مقابل أجر إضافي، وكانت المهمة شاقة لأن بعض الطالبات المسيحيات كن دلوعات لأن الكنيسة الأسقفية كانت تتبناهن مما جميعه وكن يعتبرنني دخيلا، وديكتاتورا، وجاء يوم زارني فيه «أبونا» القس وكان رجلا مهذبا وظل يمدحني وأنا أعرف أنه يراوغ كي «يدخل في الموضوع، فقلت له ما معناه» هات م الآخر، فقال إن الطالبات يشكون من أنني حازم زيادة عن اللزوم فقلت له: الحل سهل ويتمثل في إعفائي من المسؤوليات الإدارية، ولكنه أصرّ على أن أظل أتحمل تلك المسؤوليات ولكن «خليك لطيف حبتين»، فقلت له: إنني لطيف سبع حبات ولكن مدرستكم سايبة والتعليم يتطلب قدرا كبيرا من الانضباط والحزم في مواطن الحزم، فوافقني الرأي وانصرف، فدخلت على المديرة وقلت لها: أنت ضعيفة الشخصية ولو كانت لديك ملاحظات على أدائي الإداري فمن حقك أن تواجهينني بها بدلا من الاستنجاد بقس من الكنيسة فحلفت بالطلاق أنها لم تقدم شكوى حول أدائي وأن بعض الطالبات فعلن ذلك.. وأكملت في المدرسة فصلا دراسيا واحدا وخرجت ولم أعد حتى الآن.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]