يا وزير المالية (ما حيرتنا)
لم يفتأ القائمون على أمر اقتصاد البلد وماليته منذ بروز الأزمة يحدثوننا عن أسبابها، أسرفوا وأفاضوا في شرح الأسباب، لم يتركوا سبباً مالياً ولم يغادروا سقماً اقتصادياً إلا أوردوه، ثم وقفوا وقفة حمار الشيخ في العقبة، لم يحدثونا ولو مجرد حديث عن أية ترتيبات ناجزة ونافذة على الأرض استطاعوا بها مواجهة هذه الأزمات فخففوا وطأتها دعك من ازالتها، حتى بدا الأمر وكأنه خارج عن السيطرة بل وأصبح مثيرا لأعصاب الطاقم الذي يدير الاقتصاد وجالبا لعكننته ، وليس هناك دليل على ذلك أقوى من التصريح الغريب الأخير لوزير المالية الذي دعا فيه القوى السياسية للتصارع حول السياسة بعيدا عن الاقتصاد،يا الهي ما هذه الهضربة التي ضربت وزير المالية،لا أصدق أنه قال ذلك، وان كان قاله ولا نشكك في مصداقية الصحف التي نقلت عنه، علينا أن نبحث له عن مبرر،فربما كان مرهقا وفاقدا للياقة الذهنية، أو ربما كان يكابد حالة من تلك الحالات التي يقال أن صاحبها لا رأي له حين أطلق هذه المقولة العجيبة،لا يمكن أن يكون الرجل في كامل وعيه وحالته المعتبرة شرعا وهو يقذف بهذا الكلام(الساكت)،الذي كان خيرا للوزير أن يسكت عليه بدلا من أن يكشف للناس أنه اخر من يعلم بأن حل مشاكلنا الاقتصادية سياسي بامتياز،وحتى لا أطيل في هذا الجانب، أحيل من رغب في الاستزادة مراجعة صفحات الرأي داخل هذا العدد من الصحيفة…
هل يريد الوزير أن يناقشه الناس حول التضخم الأصيل، التضخم الزاحف، التضخم المكبوت، التضخم المفرط، اختلال الميزان التجاري، الاستثمار العيني، التدرج التراجعي لسعر الضريبة، وغير هذه من آلاف المصطلحات التي يحتشد بها قاموس علم الاقتصاد، فكم يا ترى من أفراد الشعب السوداني يعرف هذه المصطلحات، بل كم منهم قد سمع بها مجرد سماع، النتيجة أنهم قليل جداً جداً جداً، وبالمقابل أنزل إلى عرض الشارع وأسأل أي واحد تقابله في أقرب (ملف) عن معنى كلمة (رغيفة أو عصيدة) لا شك أنه سيجيبك بسرعة، لن تجد أحداً لا يعرف معنى الكلمتين بينما ستقابلك صعوبة كبرى حتى تصادف واحداً يعرف معنى أي مصطلح اقتصادي تطرحه عليه، ولهذا فإن الناس ليسوا في حاجة لمن يحدثهم بلغة الاقتصاد ومصطلحاته عن المتاعب والمشكلات الاقتصادية والمالية وعن أسباب الارتفاعات المضطردة في المستوى العام لأسعار السلع،ثم يعرج ليحدثهم عن اشادات صندوق النقد بالأداء الاقتصادي وما أنجزه البرنامج الثلاثي أو الثلاثيني، ما شأن ربات البيوت وعامة الناس ومن لا يجدون قوت يومهم بذلك، وهم كذلك غير معنيين باشادات صندوق النقد التي لا يجدون لها أثرا في واقع حياتهم ومعاشهم و(كيس الملاح)، فمن يعيش الجوع لا يحتاج لأحاديث اقتصادية جامدة وأرقام صماء يكذبها واقعه المعيش، وإنما يحتاج بشدة لمن يعينه ولو بلقيمات يقمن صلبه يطفئ بها نار الجوع المشتعلة في جوفه، وهذا هو مناط عمل الاقتصاد لو يدري وزير المالية، وليس ذلك الكلام (الكبار كبار) من شاكلة الذي أوردناه عاليه..
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة التغيير
حيدر المكاشفي