العهد الذي بيننا وبينكم القمح
لا أعرف لماذا يجتاحني شعور كما لو أن الموسم المقبل لزراعة القمح الذي يفصلنا منه شهر واحد.. كما لو أنه بمثابة (الشتاء الأخير) لمنظومة الحكومة والحزب الاقتصادية.. وأنا شخصيا لا أعرف فرصة مواتية للتخلص من فاتورة القمح المليارية الدولارية المهلكة للموارد والمشاعر والسيادة أفضل من هذا التوقيت.. لأنه على الأقل هو الخيار الاقتصادي الممكن.. لأن الحديث عن خطة خماسية ربما لا يسعفها الزمن.. فربع قرن من الخطط الثلاثية الأبعاد والرباعية الدفوعات قد مرت من تحت أيدينا وخلفنا دون أن ننجح في تمزيق فاتورة القمح المرهقة.. فاتورة القمح التي تمزق قلوبنا وميزانيتنا بدلا من أن نمزقها و.. و..
منذ أيام كنت أجلس لـ (الرجل الفكرة) الشيخ الكاروري في لقاء لصالح دورية المورد الشهرية.. فسألته إن كان بالإمكان إستيراد القمح والقوت من الغرب بالتزامن مع توطين مشروعنا الفكري.. على أن من يستورد قوته عليه أن يبل رأسه لاستيراد منهجه.. فثمة متلازمة بين توطين الخبز والمشروع.. على أن الأولى والأوفق أن نعكف على تجويد مشروعنا الاقتصادي ثم بعد ذلك يحق لك أن نخرج للميديا لنعلن مشروعنا الفكري.. لأن سفينة قمح واحدة في عرض البحار يمسك بمقودها منتجو القمح يمكن أن تهزم مشروعك و.. و.. الشيخ الكاروري يرى أن ثمة مؤامرة متعددة الأوجه والأركان تنطلي علينا.. منها أن ثمن آليات المطاحن وحدها يمكن أن تحدث نهضة زراعية غير مسبوقة.. المطاحن وما أدراك المطاحن.. وهذه قصة مسكوت عنها تحتاج وحدها لوقفات طويلة.. وهي تهلك أموالنا وعملاتنا الصعبة مرتين.. مرة عندما نوفر لها الدور بسعر خاص.. ومرات أخرى عندما نضع كل بيضنا في سلتها.. وعن مواصفات قمحها المستورد حدث ولا حرج.. فهي مصممة على مواصفات قمح لا يزرع في بلاد النيل والشمس والصحراء ولا ينبغي له أن ينبت في أرضنا.. وكما في قصيدة الشهيد هاشم الرفاعي (رسالة في ليلة التنفيذ) حتى الحبل الذي سيشنق به مستوردا.. صنعوه في بلد تشع حضارة أو هكذا زعموا وجيئ به على يد الأعوان! القصيدة التي يقول مطلعها: أبتاه ماذا قد يخط بنادي والحبل والجلاد ينتظراني و.. و.. شيخ الكاروري يرى أن القمح موطنه الوحيد هو الشمالية، وإن الذين قالوا بزراعته في الجزيرة قد جعلونا نخسر القطن ولا نربح القمح.. ويرى رجل الإصلاح والمواساة أن المأساة تكمن في أننا الآن نعكف لإيجاد رجل المرحلة.. وإن النهضة التي ننتظرها هي بيد (رجل المواصفة).. ذلك لدرجة تساؤل المتنبئ المقلق.. أطول طريقنا أم يطول !ورجل صيرفي زراعي آخر هو الأستاذ جلال الدين طه يرى أن فلسفة الزراعة لا يكمن في اتساع رقعتها فقط كما ذهبنا في ملاذ الأمس.. بقدر ما يكمن في تحزيم هذه المساحة التأشيرية تقنيا لتنتج أكثر وأكبر قدر من المحاصيل المستهدفة.. على الأقل – أخي جلال الدين – إن البلاد التي نستورد منها ألباننا المجففة لا تتعدى مساحتها مساحة ولاية القضارف.. وهولندا نموذجا ممتازا.. على أن أعظم قيمة ودلالة من أدبيات تداخل شيخ الكاروري وطه وغيرهما من أهل الرأي والشأن هو أننا نهدف من عمليات التناول المستمر واستخدام العناوين المثيرة الباهظة.. العهد الذي بيننا وبينكم القمح وغيرها.. نهدف أولا إلى جعل موضوعات الزراعة موضوعات شباك ورأي عام.. ومن ثم تحويل المزاج العام السوداني الأهلي والرسمي من حقول السياسة إلى حقول الإنتاج.. وهذه لعمري هي الخطوة الأولى.. ثم بعدها نعبر إلى مرحلة مواصفة شيخنا الكاروري.. ولقد آليت على نفسي وقلمي ألا أبارح أرض الزراعة والإنتاج حتى يأذن الله لي و.. و..
[/JUSTIFY] أبشر الماحي الصائمملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]