مقالات متنوعة

الـ «15» قتيلاً وحسابات مصر الخاطئة

الـ «15» قتيلاً وحسابات مصر الخاطئة
ترى هل حسبت مصر حسابات خاطئة قبل انفصال جنوب السودان ظنتها حسابات ذكية تصب ثمرتها في السطرة على «جوبا» مستقبلاً أو على الأقل تحييدها في المحافل الاقليمية المخصصة لقضايا مياه النيل؟!! أو الاستفادة من ثراء «الجنوب» بعد استخراج النفط فيه ثم توجهه نحو الاستقلال على الأقل بصورة كونفدرالية؟! أو عموماً سيطرة القاهرة أو كسبها للجنوب اذا استقل في أمور مختلفة تعود على مصر بمصالح ضخمة؟!
إن الاجابة عن كل هذا التساؤل يمكن ان تنعكس من وقائع عدة، منها زيارة خاطفة غير معلنة قام بها الرئيس المصري الأسبق حسن مبارك إلى جوبا قبل الانفصال. ولم يزر الفاشر ولا كادقلي ولا كسلا، وبالطبع ليس هناك ما يدعوه إلى ذلك، لكن في جوبا يمكن أن تنتشل المصالح المصرية. هذا الاهتمام المصري بجنوب السودان احتاج إلى استدرار عواطف الجنوبيين، لذلك كانت استضافتهم في مصر بالمئات لاتخاذهم جسراً عاطفياً تعبر به من جوبا إلى القاهرة المصالح المصرية، ومن القاهرة إلى جوبا الاملاءات حيال القضايا الاقليمية.
لكن هل توقع المصريون أنهم سيجدون دولة في جنوب السودان يمكن أن تنعم بالاستقرار وبالتالي يتوفر فيها المناخ الملائم لجلب المصالح؟! يبدو أن الحسابات المصرية «الخاطئة» هكذا كانت. وهي بخلاف الحسابات «الذكية» الإسرائيلية. فإسرائيل المجرمة الداهية التي هي أمهر ما يخدم قضية باطلة، رغم خداعها بالتطبيع الندّي مع جوبا ومع الحركة الشعبية منذ مرحلة التمرد، ومرحلة الفترة الانتقالية التي شهدت اخلاء الجنوب من كل المؤسسات القومية المختلفة، الا انها رأت طرد اللاجئين من أبناء الجنوب، وقد تعرضوا هناك للقذف بالزجاجات الحارقة والاضطهاد والاستفزاز بالكلمات الجارحة التي صدرت من بعض المسؤولين الاسرائيليين مثل قولهم بان ابناء الجنوب يلوثون البيئة في اسرائيل، وكان يمكن ان تعالج الدولة اليهودية الآثار الصحية التي تسببها معسكرات ابناء جنوب السودان هناك اذا كان وجودهم فعلاً مشكلة، لكن لا ارى ان هذا حقيقة، فهو تحايل يهودي، فقد اقام الجنوبيون هنا في شمال السودان بعد ان فروا من الحروب في معسكرات ووسط الاحياء، وجاوروا الشماليين بالجدران المشتركة، فلم نسمع انهم تسببوا في حدوث كارثة صحية. لكن اليهود امهر من يخدم قضية باطلة.
والمهم في الأمر هنا هو ما تعرض له عشرات المصريين أمس الأول، فقد جاء في الاخبار ان عصابات من جنوب السودان قتلت خمسة عشر مواطناً مصرياً بالقاهرة وأصابت أربعين. والسؤال هل هذه نتائج حسابات حكومة حسني مبارك الخاطئة تجاه كسب جنوب السودان؟!. إن الأسلوب الذي تتعامل به مصر ايام مبارك والآن ايام السيسي «وهما فترتان دكتاتوريتان بامتياز» تتعامل به مع دول الجوار وجوار الجوار، ولا يخلو من محاولات الاستغفال والاستخفاف وانتهاز بعض المواقف للاستضعاف. فالدولة المصرية التي لا تحتمل حياة ديمقراطية.. لا يمكن ان تكون حساباتها من اجل المصالح العليا صحيحة وسليمة مائة بالمائة. اللهم لا شماتة ولا شماتة في الموت، لكن المطلوب من مصر اذا لم يجد الشعب المصري ديمقراطية حقيقية بعد الانقلاب العسكري، المطلوب زمنها أن تفرّق بين أجيال الدولة الواقعة جنوبها وغربها اليوم وبينهم قبل عشرات السنين، فالآن الوعي اصبح منتشراً بقدر كبير، وان أية حسابات «أنانية أو انتهازية» لجلب مصالح بسعر زهيد واستمرار الاحتلال في مناطق محتلة من جانبها مثل حلايب، ستكون لها افرازات كارثية.

الكاتب : خالد حسن كسلا
الحال الآن – صحيفة الإنتباهة