عدم الإفراط في التفاؤل
أشرنا هنا من قبل أن جولة المفاوضات الراهنة بين وفدي الحكومة والمعارضة المسلحة في جنوب السودان لا تحمل جديداً سوى تغيير مقر التفاوض من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا إلى بحر دار التي تبعد 587 كليومتراً، كان عدم الإفراط في التفاؤل إزاء هذه الجولة مبعثه قراءة مواقف الطرفين التي لم تتبدل واستراتيجية وساطة الإيقاد الساعية إلى فرض الحلول، حرصا منها على وقف القتال الذي عاد ليشتعل مجددا هذه الأيام ما ينذر بانهيار كامل للتفاوض ولمجمل العملية السلمية التي تشرف عليها الإيقاد منذ نحو تسعة أشهر دون أن تتمكن من إرغام الأطراف على احترام اتفاقيات وقف إطلاق النار التي وقعوا عليها ثلاث مرات هذا العام.
وبينما كانت الإيقاد تجري لقاءات تشاورية مع وفود التفاوض في بحر دار كانت المعارك تدور مجددا بولاية أعالي النيل للسيطرة على حاضرتها لملكال والرنك، وهو ما عدته وساطة الإيقاد عملاً تخريبياً للسير التفاوض، وأدانت بأشد العبارات المعارك الجارية بين طرفي القتال ودعتهما إلى “وقف هذه المعارك الكثيفة على الفور”، وذكر سيوم مسفين رئيس عملية الوساطة التي تقوم بها (إيقاد) في بيان، “من المؤسف أن هذا النوع من التطورات يحصل عندما تبدأ جولة من محادثات” السلام.
تجدد القتال تكتيك ظلت تستخدمه الحركات المسلحة في أفريقيا بالتوازي مع الجلوس على طاولة التفاوض أملا من المزيد من الضغوط والتفاوض من موقف القوة، وبالتالي يمكن فهم ما يجري الان من معارك في هذا الإطار، ولكن السؤال الأهم هل استمرار المعارك هو المهدد الوحيد لانهيار التفاوض، مع ضرورة التزام الأطراف باتفاقات وقف إطلاق النار ومحاسبة من يخرق تلك الاتفاقات، ولكن المتابع لمسار التفاوض بين طرفي الصراع في جنوب السودان يرى أنها على وشك الانهيار قبل أن تنطلق، فالهوة بين طرفي التفاوض لا تزال عميقة، والاختلاف لا يزال قائماً حول وثيقة الاتفاق التي أعدتها الوساطة ورفضت المعارضة التوقيع عليها في أغسطس الماضي، والتي تتحدث عن الفترة الانتقالية، حيث قال الدكتور ضيو مطوك، سكرتير العلاقات الخارجية في حركة التمرد وعضو وفدها في المفاوضات، إن وثيقة غير ملزم لحركته ولا تعنيها في شيء، موضحا أن الإصرار على الاتفاق الأخير يعني أن الحكومة ستفاوض نفسها وليس الحركة الشعبية في المعارضة.
هذا إضافة إلى تعقيدات إجراءية تعترض المفاوضات، حيث أعلنت المعارضة أنها لن تشارك في المفاوضات في حال استمر الغياب القسري لرئيس حزب (الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي) الدكتور لام أكول أجاوين، الذي منعته السلطات من السفر إلى مقر التفاوض.
[/JUSTIFY]العالم الآن – صحيفة اليوم التالي