الكعب العالي.. يمنح المرأة طولاً مؤقتاً ومرضاً آجلاً
الرجال أول من ابتكروا استخدام أحذية ذات كعوب عالية لحل مشكلة القصر لدى بعض الوجهاء الأوروبيين في العصور الوسطى، وبالتحديد في عصر لويس الرابع عشر (ملك فرنسا) الذي انتعل هذا النوع ليزيد من طول قامته القصيرة بضعة سنتيمترات حتى يتمكن من حضور الحفلات والمناسبات الخاصة التي كان يقيمها المجتمع الراقي آنذاك.
لم يقف الأمر عند حد اقتناء الأحذية عند البعض، بل وصل ذات مرة إلى أن تدفع إحداهن حياتها ثمناً لقاء انتعالها حذاء بكعب عال جداً بلغ ارتفاعه خمس بوصات، وحدث ذلك حين سقطت اليابانية ميسايو شيميزيو من على حذائها المرتفع فهوت على رأسها لتصاب بكسر في جمجمتها وتلقى حتفها في غضون ساعات قليلة.
«نور الصحة» تناول مخاطر انتعال السيدات أحذية الكعب العالي، وأهمها التهابات المفاصل والركبة وآلام أسفل الظهر وخلل توازن الجسم وغير ذلك، إلا أن إيجابيتها الوحيدة هي منح المرأة طولاً مؤقتاً، وذلك في حوار مع الدكتور صلاح الدين شيخو أخصائي جراحة المفاصل والعظام والتشوهات الخلقية المكتسبة في المستشفى المركزي بالشارقة .
وعن المواصفات الصحية للحذاء يقول الدكتور صلاح الدين شيخو إن الحذاء وبشكل عام يستخدم للحفاظ على القدم من الإصابة بآلة حادة أو التلوث، كما أن الغرض منه راحة القدمين والمحافظة عليهما.
حيث له مواصفات صحية بهدف ألا يحدث أي إجهاد على القدمين، الأمر الذي ينعكس على الجسم كله، وهذه المواصفات تشمل نوع الجلد المصنوع منه الحذاء وشكله من الأمام الذي يجب أن يكون عريضاً حتى يسمح بحركة الأصابع أثناء السير ولا يحدث ضغطاً عليها، والذي يزيد من حدوث الالتهابات وكذلك تشوهها.
وأوضح أنه بالنسبة للحذاء ذي الكعب فيجب أن يكون سانداً للقدمين من جميع الجهات ارتفاع مستواه بنحو 2-3 سم حيث يكون هذا الارتفاع بانحدار إلى الأمام، إضافة إلى ألا يكون منخفضاً اقل من مستوى ارتفاع الحذاء من الجزء الأمامي، فذلك يحدث إجهادا على العضلات الخلفية للساق، وهذا يتفق مع ميكانيكية المشي حيث لا يحدث أي جهد.
وأضاف: إن التهاب المفاصل معقد ويحدث نتيجة عوامل عديدة منها وراثية، كذلك السمنة وإصابات الركبة الناجمة عن استخدام الركبة بطريقة خاطئة كإصابات الملاعب، إضافة إلى الإصابات التي تحدث من الكعب العالي نتيجة الالتواء المتكرر وعدم الاتزان والحركات الفجائية لمنع السقوط.
كما أن أحذية الكعب العالي تفقد السيدات بعضاً من توازنهن بنسبة تراوح بين 10- 15%، الأمر الذي يعرضهن للسقوط خاصة اللواتي يعانين من هشاشة العظام، إلى جانب التعرض إلى الكثير من الإصابات كالتواء الكاحل والركبة الذي يؤدي إلى التهابات مزمنة في هذه المفاصل مع مرور الوقت.
وأكد انه يجب أن يكون كعب الحذاء ماصاً للصدمة الأولى أثناء السير وألا يمنع حركة القدم وفي حالة الكعب العالي العريض وبالتالي منع حركة القدم في الانحناء من الخلف الى الامام ولذلك فإن الكعب العالي الرفيع الذي يحافظ على هذه الحركة يكون افضل.
خلل توازني
وأشار الدكتور شيخو إلى أن هناك ناحية ايجابية واحدة لانتعال السيدات أحذية الكعب العالي وهي المساعدة في زيادة طول المرأة، الأمر الذي يساعدها في بعض النواحي الجمالية، مضيفاً أن التهابات المفاصل أسبابها عديدة مثل التهابات مفصلية ذات منشأ مناعي مثل الروماتوئيد واللوبوس.
وأخرى ذات منشأ استقلابي مثل النقرس، وأسباب أخرى هرمونية في الغدد، إضافة إلى أسباب ميكروبية وجرثومية وأخرى ميكانيكية كالإصابات الرياضية ومنها الغضروف والديسك وغيرها، في حين أن الكعب العالي ليس سبباً في هذه الأمراض بل هو بالتأكيد سبب رئيسي وأولي في خشونة مفاصل الركبة والتي هي من أكثر الأمراض شيوعاً في دولة الإمارات من بين أمراض الروماتيزم.
وأضاف: إن ازدياد الوزن يشكل ايضاً خطراً على الجسم بشكل عام وليس على المفاصل فقط، حيث إن الكعب العالي يؤثر بشكل فعال في القدم الوسطى والأمامية ويساعد في حدوث الالتواء الأمامي للقدم فيحدث خللا توازنيا في القدم ينتقل منها إلى الركبة ومباشرة إلى مفاصل الحوض.
حيث يصبح وضع الثقل أكثر على الركبتين لتبدأ مفاصل الحوض بالتعويض عن هذا الثقل والتوازن، الأمر الذي يؤدي إلى خلل وظيفي في هذه المفاصل حيث تتعرض السيدات للسقوط وحدوث كسور في عنق الفخذ واليد والأضلاع، بالإضافة إلى انه يؤدي إلى خلل في وظائف العمود الفقري.
وأشار إلى دراسة فرنسية أظهرت أن الكعب العالي يؤدي إلى ازدياد في انحناء القدم للأعلى ونقص في ثني الركبة أثناء السير، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بخشونة مفصل الركبة حيث ينعكس الأمر سلباً على العمود الفقري فيؤدي إلى زيادة انحنائه الأمامي وعدم توزيع قوى التوازن بشكل متكافئ على الحوض ومن ثم تنتج آلام أسفل الظهر.
وأوضح أن الكعب العالي العريض ضمن القياسات الطبية الصحيحة الذي يسمح بتوزيع القوى المتمركزة للقدم والركبتين بشكل متوازن لا يشكل خطورة على الركبتين، كما انه وبشكل عام يجب أن يكون الحذاء عريضاً مريحاً من الداخل دون أن يشكل أي ضغوطات على الأصابع الأمامية التي كثيرا ما تكون سبباً في حدوث آلام بين الأصابع تشبه الخدر والتنميل والحرقان.
في حين إذا أرادت السيدة انتعال الكعب العالي فعليها تخفيف الوزن وممارسة الرياضة واختيار الحذاء العريض (من الأمام) نوعاً ما لتجنب تشوه القدمين والآلام المفصلية للقدم الأمامية إلى جانب عدم المغالاة في اختيار الكعب العالي وزيارة الطبيب في حال حدوث آلام مفصلية.
وذكر أن الكعب العالي يؤدي إلى زيادة في عمل العضلات وإرهاقها مع السير به لفترة طويلة وهذا كفيل بحدوث تعب عضلي معاوض يؤدي في بعض الأحيان إلى ظهور الشعيرات الدموية في الساق.
فوائد الكعب العريض
وحول فوائد الكعب العالي أكد الدكتور شيخو انه لا توجد أي فائدة طبية من انتعالها، بل بالعكس فعند وجود آلام في القدمين أو الركبتين ننصح المريض أن ينتعل حذاء طبياً ذا كعب منخفض، كما أن أحذية الكعب العالي لا تسبب التهابات المفاصل وحدها لكنها تزيد من الشد على هذه المفاصل بدءا من مفاصل القدم والكاحل والركبة وصولاً إلى الفقرات القطنية والعجزية لأنها تسبب خللاً في توزيع وزن الجسم على هذه المفاصل.
وبين أن توازن الجسم يحتاج إلى عوامل عديدة، من ضمنها أن تكون الأطراف السفلى والقدمان سليمة، أي خالية من العيوب، ويجب أن تكون نقاط الارتكاز على مستوى واحد، فعند انتعال أحذية الكعب العالي تكون هذه النقاط في وضعية غير طبيعية حيث تصبح المحافظة على التوازن صعبة، كما تكون نسبة تعرض السيدات للسقوط محتملة، وهذا واضح من إصابات التواءات وأربطة الكاحل المرتفعة في حالة انتعال أحذية الكعب العالي بين السيدات.
كذلك فإن محور الجسم يمر من خلال العمود الفقري ومنه إلى الساقين والقدمين، حيث إن الذين يعانون من تسطح القدم الشديد أو ارتفاع القوس الداخلي للقدم تكون لديهم آلام في الظهر خاصة في الفقرات القطنية والعجزية وهذا نتيجة انتعال أحذية الكعب العالي.
وينصح الدكتور صلاح الدين المريض الذي يعاني من الانزلاق الغضروفي بانتعال أحذية طبية أو ذات كعب منخفض، مشيراً إلى وجود معاهد خاصة في بعض دول جنوب شرق آسيا تعلم طرق التدليك الخاصة بالقدمين، حيث يعزون أغلبية آلام الجسم إلى القدمين، كما ان هذا المبدأ موجود في بيوتنا العربية، فعند الإحساس بالألم توضع القدمان في مياه دافئة مضافا إليها الملح، حيث إن هذا علاج طبيعي يؤكد الاهتمام براحة القدمين.
وأكد أن انتعال أحذية الكعب العالي يؤدي إلى عدم انتظام توزيع ثقل جسم الإنسان على القدمين بالتساوي خاصة في حالة الأحذية الضيقة ذات الرأس المدبب التي تؤدي في نهاية المطاف إلى تشوهات في القدمين مؤقتة أو دائمة مثل انحراف إبهام القدم إلى الخارج خاصة لدى الشابات الصغيرات في السن لأن القدم لا تزال في طور النمو.
حيث إن انحراف الإبهام يؤدي إلى وجود ما يشبه الانتفاخ في الأنسجة وتكون معرضة للالتهابات بصورة متكررة، كما يؤدي إلى تزاحم الأصابع الأخرى في مجال ضيق مما يسبب وجود نتوءات مؤلمة ومع مرور الوقت تظهر التهابات في مفاصل القدم وخلل في ميكانيكية مشط القدم، وهذا ما يعرف باسم آلام القدم المزمنة.
وشدد على انه لا توجد علاقة بين الكعب العريض، وأمراض الركبتين بقدر ارتفاع الكعب والدليل على ذلك ان جميع الأحذية الرجالية ذات كعب عريض ولا تؤدي إلى آلام الركبتين بل بالعكس فهي من الممكن ان تساعد على تخفيف آلام القدمين والركبتين.
خلاف بين الأطباء في التشخيص
نفى الباحثون في جامعة اكسفورد بروكس البريطانية، ما جاء في الدراسات والأبحاث السابقة من أن أحذية الكعب العالي تسبب التهاب المفاصل، وأكدوا أن السمنة والتدخين وإصابات الركبة هي التي تزيد خطر الإصابة بهذا المرض.
ووجد الباحثون في دراستهم التي نشرتها مجلة «علوم الوباء والصحة العامة»، بعد متابعة 100 امرأة تراوحت أعمارهن بين 50 – 70 عاما، ينتظرن خضوعهن لجراحات الركبة، ان المخاوف من الإصابة بالتهاب مفصل الركبة بسبب ارتداء أحذية ذات كعب عال لا أساس لها، حيث لم يكن اختيار شكل الحذاء عامل خطر في ذلك.
وأشار الأطباء إلى أن أكثر من 2 في المائة من الأشخاص فوق سن الخامسة والخمسين يشتكون من آلام حادة في الركبة بسبب إصابتها بالتهاب المفاصل العظمي، وتظهر هذه المشكلة بنسبة أكثر عند النساء في سن الخامسة والستين بنحو الضعف عنها في الرجال في السن نفسها.
وأوضح الباحثون أن ركب النساء والرجال لا تختلف من الناحية البيولوجية، لذا تم إجراء الدراسة الجديدة للتعرف إلى سبب إصابة النساء بالتهاب المفاصل العظمي بصورة أكبر من الرجال، الذي اعتقد فيما مضى انه بسبب أحذية الكعب العالي.
ووجد الباحثون بعد مراقبة عادات التدخين واستخدام موانع الحمل وطبيعة المهن والتعرض لإصابات سابقة وقياس الطول إلى الوزن عند النساء المشاركات، انه بالرغم من استخدام معظم هؤلاء النساء لأحذية الكعب العالي، إلا أن خطر الإصابة بالتهاب المفاصل العظمي في الركبة كان اقل من المتوقع، بل لوحظت علاقة بين الرقص المنتظم عند ارتداء أحذية عالية لثلاثة انشات، وانخفاض معدلات الإصابة بمشكلات الركبة.
ووصف الخبراء هذه الاكتشافات بأنها مثيرة للدهشة، مشيرين إلى أن الدراسات المستقبلية ستركز على السن التي يبدأ عندها الوزن بالزيادة المفرطة، بعد أن تبين أن الإفراط في الوزن قبل سن الأربعين يزيد خطر الإصابة بالتهاب مفصل الركبة بنحو 36 مرة.
ومن أهم المشاهير الذين لجأوا لاستخدام هذه الأحذية نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا، ثم استمرت صناعتها وشاع استخدامها بين الرجال والنساء على حد سواء، وفي القرن العشرين أصبحت موضة الكعب العالي ثورة في عالم الأزياء، تفنن الكثيرون في إبداع أشكال ونماذج مختلفة منها.
وأصبح انتعال الكعب العالي لدى البعض من الضرورات اليومية التي لا تستطيع المرأة الاستغناء عنها، وتحول حب اقتناء هذا النوع من الأحذية في بعض صوره إلى حالة من الهوس كما حدث مع ايميلدا ماركوس زوجة الرئيس الفلبيني الأسبق، حيث كانت من ابرز المهووسات في شراء واقتناء الأحذية وبشكل خاص أحذية الكعب العالي التي بلغ عددها أربعة آلاف زوج.
يبدو أن أحذية الكعب العالي لا تزيد خطر تعرض الركب للإصابة بمشكلات مرضية فقط، بل تسبب مضاعفات صحية وتشوهات في الأقدام أيضاً، فقد حذر الباحثون من أن هذه الأحذية تسبب آلام الأقدام وتشوهاتها وتغيرات في القامة ووضع الظهر والتهاب المفاصل العظمي في الركبة واختلال التوازن عند المشي أو الوقوف.
وقال اخصائيو العلاج الطبيعي في كلية جورجيا الطبية: ان الكعب العالي الرفيع يسبب ظهور الثآليل والأصابع المطرقية وعدم نمو اظفار القدم، إضافة إلى المسامير والثفنات وتكوّن جراب مخاطي بارز عند قاعدة إبهام القدم.
وقام الباحثون بفحص توازن وأداء 12 سيدة من المسنات و12 أخريات من طالبات الجامعة، عند ارتدائهن أحذية ذات كعب عال بنحو انشين، ومرة أخرى عند ارتدائهن أحذية مسطحة.
ووجد هؤلاء ان السيدات المسنات فقدن توازنهن بنحو 12 في المائة من الوقت، وتعرضن لخطر السقوط أكثر من تسع مرات عند ارتدائهن الكعب العالي الذي يصعّب المشي ورفع القدم في الخطوات، كما ان وزن الجسم عند لبس الكعب العالي يكون مرتكزا على مقدمة القدم التي تظهر فيها معظم التشوهات.
المصدر :البيان