دائرة حلايب الانتخابية
جن جنون الإعلام المصري وتاورته نوبة هيجان (القولون العصبي) بإعلان المفوضية القومية للانتخابات اعتمادها حلايب السودانية دائرة انتخابية.. فالرسالة كانت قوية لأنها تقول للنظام المصري الذي يضع يده على تلك الأراضي السودانية، إنك لن تبقى بها مطمئناً هانئ البال، وإننا لن نتنازل عنها في يومٍ من الأيام، وإن استمرار حالة (وضع اليد تلك) ليست إلا مضاعفة للخسائر والكلفة الباهظة التي تتزايد بمرور الأيام، فبعد أن يقضي فيها المصريون ما يقدره لهم الله من وقت سيغادرون حلايب عاجلاً أو آجلا، بعد أن يكونوا قد صرفوا عليها من ميزانيات في تأسيس تلك المناطق أو إقامة مشروعات البنية التحتية، إما بغرض ترتيب أوضاع الإقامة غير المرغوب فيها من جانب السودان أو على طريقة التملك بوضع اليد والحيازة بلا وجه حق..
سترفع مصر يدها بالتي هي أحسن أو بغير ذلك إذا تطلبت الأمور في أي وقت من الأوقات، لأن السودان لن يتنازل عن حقه في تلك الأرض المسلوبة طال الزمن أو قصر.
ولو طال الزمن وكانت مصر قد قامت بعد سنوات بتعمير تلك الأرض السودانية التي وضعت يدها فيها، فإن الاختلاف الوحيد حين تنتهي إقامتهم في حلايب سيكون ربما في صيغة وصف تلك الإقامة، فبدلا من أن نستخدم صفة (احتلال) قد نقوم بتقدير جهودهم في البناء والتعمير ونكرمهم إعلامياً بأن نسمي فترة إقامتهم تلك فترة (استعمارا).. لأن الاستعمار يختلف اختلافاً طفيفاً جداً عن الاحتلال، فكل استعمار هو احتلال ولكن ليس العكس صحيحا.
على المستوى الرسمي، نجد أن السودان ظل يتجنب إفساد علاقاته مع مصر ما أمكن، ويحرص أشد الحرص على الاحتفاظ بعلاقة صحية متعافية ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولو على مستوى الشكل العام. وفي هذه المرحلة بالذات طالما أن النظام المصري يبدي حرصاً على إبقاء خيوط التواصل، وذلك قد يبعث فينا الأمل بتسوية مثل هذه الملفات.. (على خير)..
والحق أن مصر الرسمية الآن تتجه نحو السودان برغبة في التواصل يجب أن نثمّنها وهي تحاول التعبير عنها بوسائل مختلفة من بينها ذلك الموقف المقدر والمشكور بالإعلان عن إرسال طائرة مساعدات للمتضررين من الفيضانات بالسودان.. نقبلها شاكرين فهي تأتي ضمن مساهمات مقدرة قدمتها الكثير من الدول الشقيقة.. قطر، الكويت والسعودية وغيرها كموقف طبيعي لا يتأخر السودان عن أدائه مع الآخرين حين تستدعي الظروف، وبرغم الظرف الاقتصادي في السودان نقدم إسهامنا للصومال الشقيق في محنته وقدمنا قوافل الذرة حين ضاقت الأحوال في إثيوبيا.
وعلى كل حال، فإن مثل تلك المبادرات الطيبة من شأنها تذويب الثلج وتهيئة المناخ الملائم للتكامل بين البلدين، لكن ذلك التكامل لن يتحقق إلا بتصفية الملفات الخلافية والقيام بخطوات عملية لحلها حلا ًنهائياً.. فالحقوق لا تسقط بالابتسامات، والجراح لا تندمل إلا بتضميدها ومعالجتها.
لسنا دعاة تأزيم بين بلدين تربطهما علاقات أزلية ومصير مشترك.. ولسنا دعاة كراهية لمصر، فالقاهرة لها مكانتها العربية المحفوظة، كما أننا كمنابر إعلام لن نفارق الموضوعية أو نتجاوب كثيراً مع إيقاع الحملة الإعلامية المصرية التي تتجاوز كل الخطوط الحمراء وتتبنى منهج تخريب مقصود ومحاولات تمزيق لحبال التواصل الأخوي.. لن نتبنى إعلاماً عدائياً لكننا وفي ذات الوقت سنظل نذكِّر الرأي العام بشكل متواصل بأنه لا تنازل عن أي شبر من الأرض السودانية حتى لا ننسى أو تنسى حكومتنا بأن هذه الملفات هي خطوط حمراء في حدها الحد بين العزة والهوان وبين الكرامة والإهانة وبين الحق والباطل.
شوكة كرامة:
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
[/JUSTIFY]جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي
بارك الله فيك استاذ جمال كفيت ووفيت