مقالات متنوعة
بادرة حظر المدّ الشيعي في السودان
كانت المستشارية الثقافية الإيرانية فيما قبل ورغم وجودها في شارع رئيس وحيوي وهو شارع المطار بالعاصمة الخرطوم من ضمن المستشاريات التي لا تسمع لها صوتاً ولا همساً، وذلك لأنّ العديد من محاولات اختراقها للشارع السوداني باءت بالفشل.
ولكن عندما أخذت تستقوي وتمارس سياسة التشييع المدعومة بالمال، واستغلال البسطاء، دقّ بعض الدعاة ناقوس الخطر وقاموا بالتنبيه إلى هذا التشييع المنظّم.
لم يكن الطريق ممهداً لبناء علاقات ثنائية سودانية إيرانية قبل تعرض السودان للضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية الأمريكية، ولكن أسهم في ذلك وقوع السودان ضمن شريط التمدد الشيعي في أفريقيا في محاولة لتكوين تحالف إيراني أفريقي لدعم الوجود الشيعي في بلاد الشام.
اتخذت إيران وسيلة التعاون الثقافي مدعمة بالمال من خلال منظمات ثقافية واجتماعية عديدة، ذلك غير ما خفي منها.
وضعت إيران أهداف التعاون مع السودان وعينها على الخليج العربي، خاصة أنّ موقع السودان الجغرافي المطل على البحر الأحمر سيضمن لها حرية الحركة وخلق ممرات بحرية وبرية تمكنها من السيطرة على مناطق استراتيجية وحيوية.
ولئن كانت بعض الدول العربية تتنبه بكثير من الحيطة والحذر لهذا الوجود فإنّه في بعض الدول التي تعاني اضطرابات سياسية يستعصي عليها تحديده، فمصر الآن تعاني وتحذر، ودول القرن الأفريقي لا تعي ماهية هذا الوجود ولا الفتن التي يمكن أن يحدثها.
وإذا رجعنا قليلا إلى الوراء نجد أن الوجود الشيعي في السودان بدأ منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي ولكنه أبرز نفسه للعلن في معرض الخرطوم الدولي للكتاب لعام 2006، حيث تم عرض ستة أجنحة لكتب إيرانية ولبنانية شيعية، واجهتها آنذاك حملة شعبية ضارية اعترضت على تجريح هذه الكتب في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وطعنها في أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها مما أدى إلى إغلاق تلك الأجنحة، وسحب الكتب الشيعية من المعرض.
لم يقف الأمر عند قيام نشاطات فقط وهي ليست نشاطات جوّالة وإنّما مؤسسة على مرأى وسمع الجميع وعلى أرض سودانية، يتم استخدامها بالتصاديق من الجهات الرسمية وأحياناً بالترحيب.
وعندما جاءت خطوة إغلاق هذه المراكز كان التمدد الشيعي بالسودان والذي يسمى تلطفاً بالوجود، آخذٌ في الاتساع.
فبالإضافة للمستشارية الثقافية الإيرانية توجد أيضاً مراكز ثقافية حسينية ومدارس موزعة على محافظات العاصمة المثلثة وعلى أقاليم السودان البعيدة عن المركز.
وهناك أيضاً مركز الشيعة بضاحية العمارات بالخرطوم المسمى باسم جعفر الصادق والذي افتتحته السفارة الإيرانية مؤخراً.
ولم يقف النشاط عند ذلك الحد، بل عمل على استقطاب حفظة القرآن الكريم لتزويدهم بالفكر الشيعي بعد أن فشلت محاولة مساومة مدير مصحف أفريقيا، من أجل إجازة المصحف الإيراني.
كشف عن تلك الحادثة للصحف أحد أعضاء الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان.
جاء إغلاق المراكز الإيرانية، والخلاف يستعر حول هذا الوجود من كونه وجودا فكريا أو عقائديا أم يمارس وصولية سياسية لتحقيق أهداف استراتيجية.
وبين هذا وذاك علت أصوات الرافضة، كما صوت الشعب الذي يعترض على وجودهم منذ البداية.
إنّ المشكلة الحقيقية من هذا الوجود الدخيل على المجتمع السوداني ليس في مواجهة بين جماعتين سلفية وشيعية فحسب، ولكن الخطر المحدق يكمن في التشجيع الرسمي لهذا الوجود لأغراض سياسية واقتصادية دون النظر فيما يمكن أن يحدثه على تركيبة المجتمع السوداني ووسطيته الدينية.
وبالفعل أدى ذلك إلى مواجهة وصراعات حامية بين المذاهب، وكادت أن تصيب البلد فتنة دينية تُضاف إلى ما يعانيه من فتن سياسية.
فلو لم يُلجم جماح هذا الوجود فلن يقف السودان عند النموذج اللبناني ولا السوري ولا العراقي لأنّه من الممكن جداً أن يغرق البلاد في بركة فتنة طائفية لن ينجو منها أبداً.
الكاتبة : منى عبد الفتاح