مقالات متنوعة

“الجهاديون” الأجانب وفانتازيا قتال الصحراء

“الجهاديون” الأجانب وفانتازيا قتال الصحراء
تعالى صوت جرس الإنذار نتيجة دعوة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مجلس الأمن الدولي إلى القمة المزمع انعقادها في 25 سبتمبر/ أيلول الجاري، وهي قمة عالمية لبحث التحديات الإرهابية الجديدة، تتمثل في الاهتمام ووضع حد لتجنيد جهاديين أجانب، على أيدي الجماعات المتشددة، والزج بهم في ممارسات تنظيم “داعش”.

والإرهاب يعتبره الغرب صناعة شرق أوسطية وإسلامية بامتياز، فلا يخذلهم الشرق الأوسط في ترسيخ هذا التوصيف، على الرغم من ضلوع الغرب نفسه في تغذيته بتضارب القيم مع المصالح. ويأخذ تجنيد المقاتلين الأجانب في الذهن الشعبي الغربي أحد اتجاهين متناقضين، فاتجاه يرى أفكار العنف الوحشي المتدثّر بدثار الدين، وسلوك متبنيه، كأفكار مخالفة لكل دين وفطرة سوية، واتجاه آخر يرى في اعتناق هذه الأفكار نوعاً من التحرر من النقيض الإمبريالي الذي يمارس عنفاً من نوع آخر، متمثل في الهيمنة والتدخل واستعراض الحرب في الشرق الأوسط، مبرزاً عضلاته العسكرية وملوّحاً بعقوباته الاقتصادية والسياسية. ويجد الاتجاه الثاني صيده السهل في شباب لديهم أزمة هوية، واستعداد نفسي، لممارسة العنف وتعلُم الطرق والأساليب التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في تصفية مناوئيها.

وليس صحيحاً ما يحاول تنظيم “داعش” ترويجه بالحديث عن منتسبيه من الأجانب ومدى قوة تأثير التنظيم عليهم، إلى درجة اعتنقوا فيها أفكاره وآمنوا بها، فقد ساهمت أنشطة الإرهاب العابرة للحدود وليست قوة أفكار التنظيم في إقناع هؤلاء الأفراد بالمجيء للمشاركة في أعمال العنف. ويكون أقرب إلى المنطق أنّ هؤلاء يسهل قيادهم، لأنّهم دخلوا الإسلام من البوابة الخطأ، مأخوذين بسحر الوعود بالحور العين وأنهار الخمر والعسل واللبن في الجنة، التي يعدّونها كأحد أسرار الشرق وجاذبيته. وحتى قطف الدنماركي (أبو الفاتح) تمر النخيل في دير الزور في سورية لا يعدو أن يكون نوعاً من فانتازيا المغامرة والاستكشاف كرحلة فاتنة في الصحراء.
“ما الفرق بين إرهابي عربي وأجنبي، فالاثنان يستويان في نتيجة ما يحققانه من دمار، وفي النهاية، تظل حقيقة أنّ الإرهاب لا دين ولا وطن له.

أتى هؤلاء المهاجرون بالمئات من مختلف جنسيات العالم إلى العراق وسورية، بعد مُبايعة زعيم التنظيم، أبي بكر البغدادي، وحصولهم على تأشيرة دخول إلى هناك، وخضوعهم لتدريبات عسكرية وأساليب تطبيق شريعة “داعش” من جرائم ذبح واغتصاب وأسر وغيرها. وما يخشاه الغرب أن يعود هؤلاء إلى ديارهم بتشددٍّ فكري وسياسي ظلامي، يهدم كل ما بناه الغرب من مبادئ ديمقراطية في القرون الماضية. وهذا ما حرّك أوباما ومجلس الأمن الدولي للإحساس بتعاظم خطر “داعش”، وإلّا، فما الفرق بين إرهابي عربي وأجنبي، فالاثنان يستويان في نتيجة ما يحققانه من دمار، وفي النهاية، تظل حقيقة أنّ الإرهاب لا دين ولا وطن له.

أكدت الولايات المتحدة أنّها ستسعى، في هذه القمة، إلى تعاون دولي للوقاية من سفر الإرهابيين خارج بلادهم الأصلية، وتعزيز دور الأمم المتحدة في هذه القضية. أما كيف يتم ذلك، فيُتوقع أن تتم مراقبة المسلمين هناك، أو الداخلين حديثاً في الإسلام، وبلا شك ستأخذ هذه الوسيلة في التعرّف إلى الإرهابيين، في طريقها، أبرياء ويتأذى منها كثيرون.

ولا ينتهي عنف التشدد بتنظيم “داعش”، ولعلّ الصورة في مجملها، والتي تأخذ طابعاً إجرامياً، لا تبعد عن ممارسات كثيرة لهذه الجماعات. وليست بعيدةً عن الأذهان قصص اقتسام جماعة الشباب الإسلامي للفدى التي طالب بها قراصنة الشواطئ الصومالية في حوادث كثيرة. ففي عام 2008، اختطف قراصنة الصومال الباخرة الأوكرانية “فاينا” وباخرتين يونانيتين، مطالبين بفدىً مالية من ملايين الدولارات. وبرّر جماعة الشباب الإسلامي اقتسامهم الفدى مع القراصنة بمبادئ حقوقية إنسانية معوجّة، هي التعاطف مع المظلومين والمحرومين. ففي تبرير لكبير قراصنة الساحل الصومالي، قال إنّ من اختطفناهم ينتهكون مياهنا ويلوثونها بالنفايات، ويمارسون الصيد غير الشرعي.

والبغدادي مثل زعيم القراصنة الصوماليين، عصريّ، يرتدي أفخم ماركات الساعات. فبينما يبدأ قراصنة الكاريبي يومهم بصباح عامر بالثمالة، ويتشاجرون في عرض البحر لاقتسام الغنائم، يلبس قراصنة الصومال الجينز، ويتحدثون إلى الفضائيات عبر الأقمار الصناعية، عن حماية البيئة والظلم الاجتماعي، مطوقين بالسفن الحربية والمروحيات الأميركية لضمان عدم إنزال أيًّ من الأسلحة من على متنها.

وقد أحدث ذاك التبرير موجة من المسامحة الشعبية الغربية الحنونة والمتعاطفة مع كوارث العالم الثالث، إلى درجة وصفت عمل القراصنة بأنّه قرصنة نظيفة، تحتمي بمبادئ حماية المياه الإقليمية، وطلب فدية من ملايين الدولارات، لتوزيعها على فقراء الصومال الذين شردتهم الحرب. ولم يتوانَ بعضهم عن اللحاق بهذا الركب الإنساني الممتطى صهوة الشعارات الإنسانية لتحقيق مآربه. فقد رأوا في تلك الشواطئ، ذات الطقس الحار الرطب، طوال العام، تشاركه الشمس بسطوعها اللاهب، قبلة لتحقيق عدالة من نوع ما. وبذاك التشويش، لم تجد عمليات القرصنة تلك الإدانة الجادة اللازمة، فقد كانت في الذهن الشعبي الغربي محاولات للخروج من نفق الظلم الاجتماعي وابتلاءات الحروب والجوع والمرض. وهذا عين ما حرّك الإرهابيين الأجانب، بجهلهم بأهداف تنظيم “داعش” الذي لا يدعي ليناً، بل يفخر بتسلطه وعنفه، ويتبنى وعود السماء ليلقيها في روع هؤلاء، منصّباً نفسه وكيلاً للعقاب والجزاء.

الكاتب : منى عبد الفتاح