لبنى عثمان

طيفك.. زارني

[JUSTIFY]
طيفك.. زارني

تمضي الأيام ممتطية جوادها الأسود.. متغطرسة.. متجبرة.. هكذا هي تسلبنا الأحلام والأماني.. تجلد عقارب ساعاتها لتلسعنا.. تحنو الأيام طارحة كؤوس الحياة وتتعاقب على سكبها كأسا كأسا.. السعادة.. الفرح.. النجاح.. وأيضا كأس المحبة.. غراها بريق ألوانها وسحر ابتسماتها، فكانت أولى الكؤوس بعثرة..
أما الحزن.. الخيانة.. والدموع إنها ما تلبث أن تقوى وتزداد جبروتا فتزيد من ظلمها تخطف لحظاتنا التي لاتعود أبدا مهما طال الرجاء.. وإن تساءلنا متى ستموت الأيام ومتى تتوقف الثواني ويختفي الزمن..
كل يوم يسطر الألم أغلالا من الدموع تقيد ذكرى قد كشفتها لحظات عمر لا يتحملها.. لكم يكوى الفؤاد شوقا.. أشتاق وأشتاق وأشتاق وأتألم فتذرف عيوني مر الدمع.. وتمر ساعات متذبذبة من ابتلاع غصة الألم سببت لي جروحا لن تندمل..
آه.. وآه.. وكم تزداد آهاتي من لجة الألم.. كل لحظة هو معي وكل وقت هو يمر بداخلي.. أعلم أنه يسير معي.. لن يتركني أحيا وحيدة.
أعلم أنه يشاركني حتى الهواء يعيش معي لحظاتي ويسكن داخلي لأنه جزء مني.. في الشوق يسافر.. في الألم يكمن.. وفي الحنين يبقى.. يحملني وأحمله.. (هكذا أشعر).
(يـــا أبي).. في كل سراديب الحياة تقبع وفي كل المنحنيات التقيك.. تحمل خارطة حياتي..
بالأمس القريبة.. كنت حاضرا معي.. تسامرني.. تتفقدني.. وتنفض عني تعب الهموم بكل الحب والمحنة.. تسقيني جرعة ثقة أنك بجانبي وأن كل السعادة أختزلتها ووضعتها في سلة تشع خضرة واهديتها لي وحدثتني أنها بشائر الخير فقط كل الخير..
طيفك احتواني.. لجأت إلى أحضانك كما هي عادتي.. أحسست بالطمأنينة.. بالأمان.. فطردت أدمع الخوف والحزن والألم.. كنت تعلم أننا على مشارف استقبال أول فرح في بيتنا لا يكون ممزوجا بوجودك.. أول فرح يزورنا دون أن نصبح ونمسي على وجهك.. إنها حكاية غيابك.. لأنك دم القلب.. وكأن الوقت الذاهب دونك يلوح ويقفز أمام أعيننا لنرى كم أنك بالرغم من كل مسافات الغياب أنت هنا.. لم تغادر لم تقلع طائرة النسيان بك في ليلة ملحية باردة.. لم تمتطي صهوة الوداع لأنك أصدق من وعد بأنك سوف تعيش لحظاتنا معنا.. بأنك لازلت معنا تحادثنا بوحي نقاء كلماتك كأنها أيقونات اللوعة العذبة المتمكنة من نسغ وجودك بعمقه ودفئه.
(أبي)، برغم السفر الطويل يقول إنك هنا بين أنفسنا بين الحنين والحضور بين الفرح والحزن فديتنا بروحك ودفعت عنا الأذى.. كنت ولازلت سماء تمطرنا حباً ودفئاً.. أحن إليك أبي.. ولكن هكذا الأقدار شاءت..
كم أحن إليك يا أبي.. كم أشتاقك.. كم أفتقدك.. في الألم أجدك حاضري تزورني فيذهب الألم ويبرأ الجرح.. وفي الفرح أجدك مهللاً، فتنهال السعادة ويكثر الخير..
لله درك (يا أبي).. كنت منبعاً للسعادة والحب والتضحية.. ورحلت وظلت روحك تحرس كل منابع الخير والسعادة في حياتنا..
فيا الله.. لكم.. أتساءل .
لم تجول الأطياف حولنا؟!
وهل حقا أطيافهم هنا؟ ولم ترحل وحسب.. بل أنها تشاركنا الأحلام أيضا.. مؤكد لأنها تحن إلينا.. وربما لأنها لا تود تركنا أصلا..
هل يمكن أن الأطياف تحن؟
وهل تتألم.. كما نتألم ؟
أحن إلى طيفه.. وتتقطع أوصالي.. أحتاج إليه ويا ليته بجانبي يكفكف عبراتي.. ولكن هكذا الأقدار.. هيهات الوصال.. لزمان كانت البسمة فيه الزرع المحصود، وإن لم يكن بمقصود..
وناح على ذكراه وتر العود.. يبكي الماضي الودود.. عسا روحك يا أبي تعود..
**نوح **
في بعدك.. لم أحيا.. ولم أكبر..
ولم يزرني حتى طيف الفرح..

(أرشيف الكاتبة)
[/JUSTIFY]

كلمات على جدار القلب – صحيفة اليوم التالي