تعقيب على.. قيادات أهلية أم مجرمو حرب
هذا تعقيب يحاول كاتبه الأستاذ الأنصاري دفع اتهامنا للإدارة الأهلية بتحمل مسؤولية كبيرة في استمرار النزاعات القبلية في دارفور، لا أنشره بغرض النفي أو الإثبات، لكنه يتيح وجهة نظر أخرى، ويتضمن معلومات قد تعين لجنة التفاوض المباشر بين القبيلتين الآن في الخروج بصلح، إن لم يكن دائماً فعلى الأقل يكون صلحاً طويل الأجل.
جمال
الأستاذ جمال علي حسن
تعقيباً على ما جاء ببابك المقروء بصحيفة (اليوم التالي) (جنة الشوك) العدد (551) بتاريخ- 13/8/2014 بعنوان (قيادات أهلية أم مجرمي حرب؟).
بصفتي مراقبا ومراسلا صحفيا منذُ الستينات بتلك المنطقة، بل وأحد مجتمعي دار الرزيقات منذ أن كنت طالباً أزور أهلي من خمسينيات القرن الماضي. إن مشكلة الرزيقات والمعاليا بدأت مطلبية منذُ العام 1965 قام فيها صراع دموي بين القبيلتين من أجل الأرض، المعاليا يطالبون بنظارة منفصلة وأن ينظر مشائخهم وعمدهم إلى مشاكلهم، وكذلك بأن تحدد لهم حدود نظارتهم مع الرزيقات. استمر هذا الصراع حتى العام 1967 حينما تم الصلح بين القبيلتين بمنطقة أبو كارنكا في فبراير 1967. كان الصلح شاملاً وكاملاً وحضره جميع نظار قبائل السودان، بمن فيهم دينق مجوك، ناظر عموم دينكا نوك آنذاك. وارتضاهُ الطرفان بوجود السلطة التنفيذية، رئيس الوزراء حينها، السيد الصادق المهدي.
وتم هذا الصلح على مطالب المعاليا كالآتي:
1- يكون للمعاليا وكيل ناظر يتبع لنظارة عموم الرزيقات.
2- جميع المشاكل والقضايا الخاصة بالمعاليا تبدأ من المشائخ وإلى العمد، ثم ترفع إلى وكيل الناظر أحمد حسن الباشا الذي عُين آنذاك من قبل المعاليا، وأي استئناف خاص بقبائل المعاليا يرفع رأساً إلى القاضي المقيم بنيالا وليس لناظر عموم الرزيقات.
3- تظل حدود منطقة المعاليا بجغرافيتها المعلومة من مشائخ وعمد كما هي.
هذا الصلح الذي ارتضاه الجميع شهد عليه جميع نظار قبائل السودان، ووثقته السلطة التنفيذية، وكان خير صلح استمر حتى العام 2002، ويمكن الرجوع إليه بدار التوثيقات أو مجلس الوزراء ليكون هادياً ومرشداً لمن أراد (صلحاً).
لكن اُخترق هذا الصلح في العام 2002 عندما ظهر أولئك الشباب من القبيلتين في عمر العشرينيات، وهم يحملون “الكلاش والآربجي” على كتوفهم بدعوى حفظ الأمن دون انضباط عسكري معلوم ومعروف، وهكذا بدأ يكون السلاح في أيدي شباب من القبيلتين وبنزعتهم الشبابية وهم يتجولون بأماكن الأسواق المختلفة والجلوس مع “بائعات الشاي”، تولدت مشكلة بين ثلاثة شبان من القبيلتين في معركة اغتيل فيها أحد أبناء الرزيقات، ولمّا لم يفصل قضائياً في حادثة القتل تلك بعد أربعين يوماً حددتها القبيلة للمحاكمة تولدت عنها مشكلة (تبت) بأرض المعاليا التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة شخص بين قتيل وجريح بينهم أطفال، نساء وشيوخ، وتطور النزاع مع دخول الحركات المسلحة التي باعت السلاح للقبيلتين، وهكذا أصبح السلاح منتشراً، وفي هذه الحالة صارت الإدارة الأهلية متفرجاً بلا صلاحيات. إذاً أين الإجرام هُنا لإدارة أهلية سُلبت منها السلطة القضائية والإدارية؟.. فلا حول ولا قوة للإدارة المسلوبة الصلاحيات.!
هذه بداية قصة الصراع بين الرزيقات والمعاليا. ولعدم نجاح السلطات المركزية في حل المشكلة جذرياً بعد ذلك الاختراق الذي تم في عام 2002 ظلت المشكلة تتطور يوماً بعد يوم، وصارت لها جوانب وأطراف كثيرة متعددة بعد أن أعطيت قبيلة المعاليا نظارة منفصلة دون تثبيت باقي الحقوق مكتملة، ولذلك ظلت الأرض هي مصدر الصراع المستمر وستظل، ونقول ستظل بعد أن طُرد جميع المعاليا، (معلمون، محامون ومواطنون)، نعرفهم جيداً عاشوا في مدينة الضعين لأكثر من خمسين عاماً، طُردوا بقوة السلاح من أرض الرزيقات عامة ومدينة الضعين خاصة، فكيف بعد هذا تكون هُنالك (ولاية).. وكيف يكون هُنالك استقرار؟. هذه المشكلة تحتاج من المسؤولين في المركز الجدية والاهتمام ليقفوا على حل هذه المشكلة، وقد يكون عصياً، ولكن بالحكمة ومشاركة الجميع ربما يكون هُنالك حلا يرتضيه الطرفان.
إبراهيم حمد النيل “الأنصاري”
كاتب ومراسل صحفي
[/JUSTIFY]جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي