كيفما تكون القاهرة نكون
تابعت منذ يومين حلقة تلفزيونية على شاشة القناة المصرية تفتأ تجري بعض المقاربات بين فعالية الإعلام المصري مقارنة ومقارعة بالإعلام الإقليمي.. وذلك على خلفية ما يعتبره الإعلام هناك حملة مخدومة تتهم مصر بشن الغارة الجوية على العاصمة طرابلس الليبية.. الحملة التي فجرها الإعلام الأمريكي مؤخرا ثم تولى كبرها بعض الإعلام الإقليمي والإشارة هنا لقناة الجزيرة.. والذي يهمنا هنا الاستفادة من الطرح المهني دون الخوض في حيثيات هذه المعركة السياسية والحرببة و.. و…
*لما كنا نزور منذ عامين منظومة ماسبيرو.. تلفزيون وإذاعة الدولة المصرية بالقاهرة.. علمنا أنها تضم خمسين ألف عاملا.. غير أن الحلقة المشار إليها قد قالت إنها قد تراجعت شغيلتها إلى سبعة وأربعين ألف عامل.. واعتبرت الحلقة أن هذا الرقم باهظ جدا من جهة.. ومن جهة أن مردوده لا يتناسب مع حجمه وعدده.. ولقد علمت من خلال مجريات هذا الحوار أن هنالك أكثر من عشرة آلاف من هذه العمالة تنتمي لجهات أمنية.. رأت الحلقة أنها حمولة ثقيلة موروثة من ثقافة دولة حسني مبارك ويفترض التخلص منها ولم يعد لها ما يبررها.. لكن الأزمة الحقيقية التي خلصت إليها الحلقة تتمثل في أن الإعلام المصري كله الرسمي منه والخاص مستغرق ومستوعب للآخر في الخطاب الداخلي.. وهو بالكاد يحدث نفسه وأن رسالته الموغلة في المحلية ليس بإمكانها أن تعبر الحدود لمقارعة الإعلام الإقليمي والعالمي وصد الهجمات التي تتعرض لها المحروسة في هذا الظرف بحسب الحلقة و… و…
*والذي أحزنني في هذه المقاربة والاعترافات الجهيرة.. هو أن القاهرة.. عاصمة الإعلام والثقافة العربية تأريخيا.. لا تمتلك الآن قناة فضائية دولية بمواصفات تنافسية بمقدرات قنوات الجزيرة والعربية التابعتين لإمارتين عربيتين صغيرتين! القاهرة قلعة العروبة التي إذا تحدثت يوما لا يملك الآخرون كلهم إلا فصيلة الاستماع.. فتراجُع القاهرة سياسيا ورياديا هو لعمري تراجُعٌ لنا جميعا.. فالقاهرة لما أشهرت سيفها وحاربت فإن عشرات الآلاف من السيوف العربية قد جُردت وأُشهرت وقاتلت.. ولما عاهدت القاهرة وصالحت وهادنت عادت السيوف العربية كلها إلى أغمادها.. وهنا تكمن خطورة القاهرة.. فكيفما تكون القاهرة نكون.. فلهذا وذاك أن قوة وضعف القاهرة ليس شأنا مصريا داخليا محضا بل هو حالة أممية تعنينا جميعا.. أعطوني قاهرة…. قاهرة بالفعل كما قاهرة عبدالناصر أعطيكم أمة عربية متطلعة غير مستكينة لاتساوم في وجهتها وهويتها.. قاهرة غير محايدة في قضية القدس كما يحدث اليوم لدرجة أنها كانت العاصمة الأنسب للهدنة، وأن اليهود يثقون بها كطرف (ثالث) ولعمري متى كانت القاهرة طرفاً ثالثاً! القاهرة المتهمة.. حسب حلقة التلفزيون المصري نفسه.. المتهمة بضرب ثوار طرابلس في أزمنة تطاول أوباش اليهود وقتلهم الأطفال والولدان وهدمهم البيوت على رؤوس ساكنيتها.. عندما تتقهقر القاهرة والأمة لطور أقل من طور ودور عبارات التنديد التي لم تقو بعض عواصمنا هذه المرة بالخروج بها لمنابر الإعلام عوضا عن أن تخرج بسيف! ولا تملك وسط هذه الاعترافات الجهبرة إلا أن تستدعي التأريخ.. ألا ليت عبدالناصر يعود يوما فأخبره بما فعل اليهود.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[/JUSTIFY]ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]Malazat123@gmail.com[/EMAIL]