الشعراء والغاوون
وهل موت الشاعر موت الكلمة.؟
إذن لاندثر أثر المتنبئ..
ولانمحى ما كان لشكسبير وفولتير وأفكار سقراط..
ويبقى ما ينفع الناس..
وما ينفع الناس ربما كان كلمة..
لعل ما ينفع الناس هو الكلمات..
فإن أمة بلا لغة تبقى نكرة..
وإن أُناسا بلا كلمات، يبقون أمواتا..
نعى الناعي سميح القاسم، وقد كان يخطب في المنابر وينثر أشعاره الرياحين والبرود، وجسده يقاوم مرض السرطان.
لقد سكن القاسم مع درويش في ذاكرتي الصبية يوم سقطت في يدي رسائلهما وأشعارهما، فلاحا لي كتوائم
يشبهان كثيرا – درويش والقاسم – علي المك وصلاح أحمد إبراهيم في السودان بذات الصحبة الإبداعية والتشابه الفكري والروحاني.
ولقد تذكرت ما قاله عبد القادر الكتيابي وقصيدته لعبد القادر سعيد الشاعر الآخر..
(عجبا تلاقينا توائم
في رنين الاسم
في نحول الجسم
في الذات الغريبة
في طرق التعفف والميول)..
وكان صلاح أحمد إبراهيم قد رثى علي المك بقصيدة عصماء ومرجعية قبل أن يلحق به سريعا، كما كان سميح القاسم مع محمود درويش
(علي.. انتظرني
فما لي إلا عصاة عليها جراب)..
وخفيف الحمل كبير الحلم.. مضى صلاح ليلحق بعلي.. ومضى درويش ليلحق به القاسم.. وبقيت آثارهم..
(مثل نبش إسماعيل في الغفر السحيق)..
يبقى الشاعر أي شاعر- لسان الأمة وترجمانها..
فإن كان مجيدا تحول إلى أيقونة
وإن كان في زمان انكسار، كان سندا وعضدا..
وهكذا كان الجو العام الذي نبت فيه سميح القاسم نكسة وتهجيرا وإبادة وثورة ومقاومة وإنجابا..
وها هي غزة اليوم ترمز عن كل فلسطين..
وهي أقرب إلى القدس، ذاك المكان الذي يضوع أنبياء..
أقصر الدروب بين الأرض والسماء.. كما أنشد نزار قباني ذات إلهام..
وينتظر أحمد مطر مفجوعا واهن الصوت، لأن ما أبقاه فيروس الزكام قد أخذه فيروس النظام، كما قدم لليلية شعرية باذخة الجمال أعطاها لي صديق قبل أكثر من عشر سنوات في شريط كاسيت أعرته لأستاذنا حسين خوجلي منذ سنوات طوال.. فلحق الجنوب الذي لحق “أُمات طه” اللائي خرجن في أثر طه..
وعلى الضفة الأخرى للنهر، يمكث مظفّر النوّاب ينتظر الرحيل.. والسرطان ينهشه أيضا وهو يرسل صوته المميز وسياطه اللاسعة إلى كل ظهر عميل..
سبحانك.. كل الأشياء رضيت سوى الذل..
وأن يوضع قلبي كالطير في بيت السلطان..
وقنعت بكون نصيبي في الدنيا كنصيب الطير..
لكن سبحانك حتى الطير لها أوطان..
وتعود إليها وأنا لا زلت أسير في هذا الوطن الممتد..
من البحر إلى البحر..
سجون متلاصقة..
سجان يمسك سجانا..
[/JUSTIFY]هتش – صحيفة اليوم التالي