في سكون الليل !!
*معرفتي به – عن كثب – تعود إلى أيام رحلة لندن تلك برفقة عدد من الزملاء تلبيةً لدعوة قناة (المستقلة)..
*كان ذلك قبل سنوات خلت بعيد حادثة برجي منهاتن الشهيرة ..
*وحين كان بعض منسوبي الوطني – وعلى رأسهم المروح- ينظرون إلى مشاركتنا تلك بعين الغضب كان هو (آخر لطافة وظرافة) معنا..
*وبلغت (اللطافة) تلك قمتها عند تلبيتنا دعوته للعشاء وقد كان ملحقاً إعلامياً بسفارتنا هناك..
*وخص كاتب هذه السطور بهديةٍ وهو يقول أثناء تقديمها له : (أقرأ لك بإعجاب رغم اختلافي السياسي معك)..
*ثم تجددت المعرفة – عن كثب – عندما هاتفني راجياً انضمامي إلى (الصحافة) التي يرأس إدارة تحريرها وقد كنت آنذاك بـ(آخر لحظة)..
*وهمس في أذني وهو يقودني – برفقة المعتق حسن البطري- إلى مكتبي الأنيق – : (نريدك كما أنت دونما رقابة من جانبنا)..
*ولو كان غالب أهل الإنقاذ يحملون فوق أكتافهم مثل عقل الكرنكي – وعقليته – لما كان واقع بلادنا مأزوماً الآن ..
*فهي عقلية تجمع بين اللطف والأدب والتهذيب والشاعرية و(تقبل الآخر!)..
*والشاعرية هذه هي التي أوحت إلي بكلمتي اليوم عقب أن طربت لزاويته البارحة..
*فقد كتب – بإحساس دفاق – عن أغنية هي عندي من أجود ما جادت به عبقرية الغناء السوداني (الرصين)..
*وما زلت أذكر كلمات الوالد الإيجابية – عليه الرحمة – في حق الأغنية المذكورة رغم عزوفه عن الغناء وعالمه..
*ولو أن (مغنواتية) زماننا هذا استمعوا إلى العميد وهو يغني (في سكون الليل) – وكانوا ذوي حياء – لكفوا عن ترديد (نقيقهم) الذي يصم الآذان..
*وقديماً قال شهيد الصحافة – محمد طه محمد احمد – أن قادة الإنقاذ لو كانوا يقرأون قصص نجيب محفوظ لأبصروا بين ثنايا بعضها (قصتهم!)..
*أي انهم يفتقرون إلى الحس الأدبي الأصيل الذي يستشرف القادم انطلاقاً من الآني..
*ويفتقرون كذلك – وهذه من عندنا – إلى الحس الغنائي الأصيل الذي تُستشف من نهاياته العاطفية أخرى (سياسية!)..
*يعني قصتهم التي تشابه (ثرثرة فوق النيل) يمكن أن تكون نهايتها مثل تلك التي خُتمت بها أغنية (في سكون الليل)..
*والنهايات هذه جسدها شاعر (في سكون الليل) بقوله :
ثم عدنا وانصرفنا كلنا يمشي وحيدا …
باكياً قلباً وجفنا خائفاً ألا يعودا …
وانصرفنا ما عرفنا ما دهى هذا الوجودا…
*ونهايات الأنظمة يمكن أن يكون مؤشراً لها (انحطاط الثقافات!)..
*وحكيم في زمان بني أمية كان قد تنبأ بنهاية عهد الوليد بن يزيد حين رآه يطرب لساقطٍ من الغناء دون رصينه..
*كان يطرب لما يشابه (طاعني دايماً بورا) من غثاء أغنيات (ليالي) عهدنا هذا..
*فتم (طعنه) – أي الوليد – (في سكون الليل !!!).
بالمنطق – صلاح الدين عووضة
صحيفة الأهرام اليوم