الطفل السوداني بين نيران الاستلاب والتمسك بالهوية
أقر عدد من الخبراء بضآلة الانتاج المحلي من المواد المقدمة للطفل نظير الرسائل الاتصالية الاخرى التي تبث عبر الانترنت والاذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات والسينما والكتب .واشاروا الى ان التحديات الجسيمة التى يفرضها الواقع المعاش تتطلب اعادة النظر بصورة علمية ومنهجية فى كثير من المعلومات والافكار التي تشكل المصدر الاساسي لثقافة الاطفال، واعتبر المشاركون فى منتدى ثقافة الطفل السوداني بمجلس الوزراء الاسبوع الماضي ان اخطر التحديات التى تواجه اطفالنا اليوم تلك التحديات المرتبطة بالثقافة والتطبيع الاجتماعي.
وتطرقت الاوراق المقدمة فى المنتدى الى عدد من المواضيع كان اولها اثر المناهج الدراسية فى ثقافة الطفل قدمها نائب مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي (بجامعة بخت الرضا ) دكتور ياسر محمد مكي ابوحراز والتي طالب فيها المربين فى ضوء المتغيرات التي يمربها السودان بتهيئة الوسائل الثقافية المتنوعة المساعدة على نضج الاطفال وفق موجهات مؤتمر سياسات التربية والتعليم 1990 والتى دعت الى تطبيق المنهج القومي فى كل ولايات السودان والاهتمام ببرامج اللغة العربية واللغات الاجنبية الحية بالاضافة الى مراعاة البرامج الدراسية والمناشط التربوية وغرس حب القراءة والتعليم الذاتي بجانب دعم المناهج ببرامج لكل مرحلة بحيث تؤهل المتخرج وتزوده بقدرات ومعارف تمكنه من مواجهة الحياة والتفاعل مع متطلبات مجتمعه. وطالب ابوحراز فى ختام حديثه وزارة التربية والتعليم الولائية على توفير الكتب المدرسية ومراشد المعلمين بالاضافة الى الكتب الثقافية الاخرى المصاحبة للمنهج بجانب الاهتمام باثراء المكتبة المدرسية بالكتب الدينية والعلمية والثقافية وانشاء مراكز ثقافية خاصة للطفل بالاستفادة من تجربة اندية الصبيان التى انشأها معهد بخت الرضا سابقا اضافة الى الاهتمام بالنشاط الطلابي الصفي وغير الصفي والعمل على اعداد مشروع متكامل للنهوض بثقافة الطفل السوداني تسهم فى اعداده وتنفيذه كل الجهات ذات الصلة .
وتناولت الورقة الثانية دور الاسرة السودانية فى ثقافة الطفل فى اطار التقنيات الحديثة والتى اكد فيها على دور الاسرة الفاعل فى نمو الطفل وتطوره ودعمه بالمعارف والسلوكيات التي تشكل ثقافته فى مجتمعه عبر مراحل نموه المتدرجة حتي قبل انشاء المدارس ورياض الاطفال. وقالت الورقة ان الطفل فى مرحلة الطفولة المبكرة لاتشكل التقنيات الحديثة بالنسبة له الا الدهشة والرغبة والاطلاع واللعب بتلك الاجهزة ذات الحركة الذاتية بواسطة الكهرباء او البطاريات المشحونة او الالعاب الهوائية او ما يعرض فى برامج التلفزيون من قصص وحروف وكلمات تهدف الى تنمية قدرات الطفل الذي لايزال راغبا فى الالمام بمفاهيم مبسطة عن الحقائق والبيئة والطبيعة وتعلم الانتماء وتكوين العلاقات مع الوالدين والآخرين فى هذه السن المبكرة – فيما تختلف مرحلة الطفولة المتوسطة والتى يصبح فيها اثر التقنيات الحديثة على مطالب نموه اكثر عمقا فهو يدرك مايصوره التلفزيون من حراك وصور وماينتجه الحاسوب من حيث الضغط على بعض اجزائه فتنتج كتابة وارقاما والوانا وحركات جسدية قد يتجه الطفل لمجاراتها والقيام بها باعتبارها انشطة جذابة يقوم بها اطفال فى مثل سنه حتى وان كانوا من بلاد غير بلاده وتردف الورقة قد تزداد صلته بهذه الاجهزة مع تطور مهاراته فى الكتابة والقراءة والتامل فى المفاهيم الحياتية الجديدة وهكذا فسرت الورقة رغبة الاطفال فى مشاهدة التلفاز او اللعب بالاتاري او البلي ستيشن او اللابتوب فى هذه السن فى ظل الانفتاح الذي فتحته الثورة التقانية والمعلوماتية التى قربت الارياف واجتاحت الحدود.
واعترفت الورقة بعدم جدوى محاربة التقنيات الحديثة وطالبت بوضع الخطط الاستراتيجية لاحداث شراكة ذكية معها والاستفادة من منافعها والحد من مضارها المتمثلة فى نفاذها الخاطف لعقول الاطفال وغزوها الثقافي الذي ربما يتسبب فى الغاء الهوية القومية واهدار القيم الدينية والوطنية مع الاخذ فى الاعتبار بانه لابد للطفل من التعرف على الثقافات والنهضة العالية والتكنولوجيا المعاصرة وفق عدد من المؤشرات اجملتها الورقة كتقويم ومراجعة مناهج تعليم ما قبل المدرسي (رياض الاطفال )ومناهج مرحلة الاساس بهدف مساعدة الاطفال بتكوين مرجعية فكرية تؤهلهم للاستفادة من منتجات التكنولوجيا الحديثة واستخدامها فى تطوير معارفهم وتنمية مواهبهم ومهاراتهم لتواكب كافة المستجدات المستقبلية فى هذا المجال، كذلك تدريب الاطفال فى مرحلة الاساس على استخدام الحاسوب وغيره من الاجهزة الحديثة تدريبا متدرجا يمكن مواصلته وتكملته فى المراحل التعليمية المتتالية حتى مرحلة التعليم العالي بالاضافة الى التنسيق مع وزارة الاعلام لانتاج مواد اعلامية قد يستخدم فيها الخيال العلمي ولكنها تراعي الارث الثقافي والديني للامة والتقاليد الاجتماعية مع اختيار الاوقات المناسبة لبثها فى ايام العطلات حتى لاتتضارب جاذبية تلك البرامج مع الوقت الذي يجب ان يصرف لاداء الواجبات المدرسية اليومية.
فيما اهتمت ورقة دكتور خليل عبد الله المدني جامعة النيلين بمناقشة مصادر ثقافة الطفل واثرها على شخصيته واثارت الورقة موضوع الشرائح الاجتماعية الطبقية المرتبطة بالسن وبينت الدور الاجتماعي للسن فى المجتمع كما تعرضت للمصادر الثقافية للاطفال فى المجتمعات ذات التغير البطئ والتى يتم غرس القيم فيها من خلال الاحاجي والالعاب والترفيه والاساطير والاغاني.
وسلطت ورقة مديرالبرامج الثقافية بتلفزيون السودان المكتفي بالله سرور الضوء على دور الاعلام فى ثقافة الطفل فى ظل جو ثقافي تتخطي فيه وسائل الاتصال الحدود وتتجاوز المسافات وتتعامل مع معلومات منتجة فى شكل رسائل اعلامية ثقافية واخبارية ترفيهية تبعث الي جمهور الاطفال. وقال سرور كل هذه العناصر اقتحمت جو ثقافة الطفل السوداني بعد ان كان هذ الجو مقتصرا على الاتصال المواجه من خلال التشكيلات الاجتماعية التى قدمتها تجارب مثل مجلة الصبيان ود النمير ومريود ومجلة عمار كذلك من خلال مايقدم للطفل فى الاذاعة السودانية حيث لايزال برنامج ركن الاطفال الذي بدأ مع نشأة الاذاعة فى صدر الستينيات حيث تميزت فقراته بالخفة والرشاقة وتنوعت مابين الفقرات التربوية والحكاية والحوار والانشودة والمادة العلمية والنكات والمسابقات وبريد الاصدقاء واشرفت عليه شخصيات تربوية بمشاركة مجموعة من الاطفال ،اضافة الى التلفزيون والذي استطاع منذ بداية منتصف الستينيات ان يقدم برنامجاً موجهاً للطفل (جنة الاطفال ) اتسمت فقراته بذات الايقاع والتنوع التربوي والذي لايزال عطاؤه ممتدا من معلومات وحكايات شعبية ومعلومات علمية وفقرات تربوية هذا بجانب الدراما والتى شهدت منذ النصف الثاني من القرن العشرين جهودا تقوم على محاولات ناجحة توظف الادب فى عملية الاتصال الثقافي واشارت الورقة الى ان كل تلك الجهود ادت الى ظهور مصادر الاتصال بالاطفال وتبلورت تيارات فى عملية ثقافة الطفل برزت فى محاولة الادباء والكتاب لانتاج منتوج ثقافي للاطفال .
وانتقد سرور ضآلة الانتاج المحلي مقارنة مع ماينتج فى الخارج وقال ان ذلك يفقد الرسائل المنتجة جزءا كبيرا من الجودة مما يقلل من اقبال الطفل عليها لاسيما وان قطاعاً واسعاً من الاطفال يتابع برامج الفضائيات التى تزيد عن مائة قناة مابين عامة ومتخصصة وماتبثه من اخبار ورياضة وموسيقى وسينما وخدمات ،وتابع سرور قائلا برغم الجهود التى تبذل من اجل الارتقاء بالمادة المقدمة للطفل والكثير من النجاحات الا ان هنالك ظواهر ظلت تلازم اعلام الطفل وتبدو كسمات ملازمة له كغزارة المعلومات والتى يتجه لها اعلام الطفل السوداني وهي بذلك تشغل حيزا واسعا من الوقت الذي يتطلب التوازن بين الشكل الفني للمادة مع المضمون الذي ينمي مهارات التفكير وليس عن طريق احكام الربط بين المعلومات ولا عن طريق اثارة المشاكل والقضايا والتساؤلات لانها وحدها تشكل مدعاة للتفكير وعزا سرور اهتمام اعلام الطفل بالحقائق والمعلومات الى مفهوم تربوي قديم يرى ان نقل المعلومات ومفردات التراث الثقافي هي مهمة جوهرية فى وقت ظهر فيه مفهوم تربوي جديد يرى ان التراث الثقافي ليس غاية فى ذاته بل الغاية من النقل الثقافي هو مساعدة الطفل على النحو الصحيح عقليا وعاطفيا اضافة إلى العامل الثاني وهو الانشغال بالتفاصيل الذي يبدو واضحا فى كثير من كتب الاطفال والمجلات المصورة والذي بدوره يقلص من نشاط تفكير الطفل وتصنيفه كمتلقي سلبي بجانب العامل الثالث وهو ضعف التسويق والجاذبية واقحام الطفل فى ثقافة الكبار وغياب الاتفاق العام .
سارة تاج السر :الصحافة