لفقر في البلاد .. واقع الحال يفضح التعمية الحكومية !(3)
في الحلقتين السابقتين عرضنا التقرير الذي قدمته وزارة الرعاية الاجتماعية وشؤون المرأة والطفل عن الفقر ونسبته مؤخرا وذكرنا في مقدمة الحلقتين أنه قوبل بدرجات متفاوتة من الارتياب والاستغراب من قبل الكثيرين حيث أوضح التقرير أن نسبة الفقر المدقع بالبلاد انحسرت إلى ما يعادل 4.3% من مجموع السكان الأمر الذي اعتبره كثير من الخبراء مجافيا لما تمور به أرض الواقع بجانب منافاته للتقرير الذي قدمته الأمانة للمجلس القومي للسكان في أغسطس الماضي الذي من عجب يتبع لوزارة الرعاية الاجتماعية وشؤون المرأة والطفل فلم يتوانَ عن إعلانه اعترافه الصريح بصعوبة تحقيق السودان لاهداف الانمائية الالفية فى مداها الزمني المحدد بـ2015 قبل ان يؤكد بان الفرصة مازالت مواتية لاحراز تقدم اكبر فى حال تنفيذ الاستراتيجيات والسياسات والخطط القومية بفعالية وكفاءة . و اعتبر ان انتاج النفط لم ينعكس فى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين الامر الذي ادى الى ارتفاع مستوى الفقر بين السكان من 55% – 95%.
وانتقد تقرير مجلس السكان تدني الانفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية وحذر من مغبة تأثير ذلك على قطاعي الصحة والتعليم والمياه اللذين حظيا بنسبة 08،% من جملة الإنفاق الحكومي وفقا لتقرير التنمية البشرية للعام الماضي الأمر الذي جعل السودان من أقل دول إقليم جنوب الصحراء إنفاقا عليهما وبالعودة إلى تقرير مجلس السكان نجده طالب بتسريع جهود التنمية خاصة للفئات المتأثرة بالحرب والمناطق المحرومة اذا اراد السودان احراز تقدم نحو اهداف الالفية كما حذر من خطر استمرار النزاع المسلح وانعدام الامن الانساني فى دارفور والصراعات التي يمكن ان تشتعل فى غيرها من المناطق المعرضة للانفجار والصراعات إلى ادارة الموارد المتعلقة بالأراضي والمراعي والمياه . فالمفارقة الشاسعة بين التقريرين الحكوميين قادت إلى الاستغراب وعدم القبول لتقرير الرعاية الاجتماعية واعتبره البعض لا يعدو عن كونه مزيدا من التعمية السياسية والقفز على الوقائع . وكما ذكر عاليه استعرضت الصحافة في الحلقتين السابقتين تقرير وزارة الرعاية الاجتماعية والأسس والمعايير التي قام عليها حتى يقف الرأي العام عليها وفي هذه الحلقة نعقد مقارنة بين التقريرين ونورد آراء المختصين حولهما.
نجد أنه لا يخفى على كل من يعقد مقارنة بين التقريرين أن تقرير المجلس القومي للسكان انتقد تدني الانفاق الحكومي على القطاعات الاجتماعية وحذر من مغبة تأثير ذلك على قطاعي الصحة والتعليم مع مطالبته بتسريع جهود التنمية خاصة للفئات المتأثرة بالحرب والمناطق المحرومة اذا اراد السودان احراز تقدم نحو اهداف الالفية بجانب تحذيره من خطر استمرار النزاع المسلح وانعدام الامن الانساني فى دارفور والصراعات التي يمكن ان تشتعل فى غيرها من المناطق المعرضة للانفجار والصراعات إلى ادارة الموارد المتعلقة بالأراضي والمراعي والمياه في حين أن تقرير وزارة الرعاية أشار إلى التقرير الختامي لمسح الخارطة الصحية للولايات الشمالية يقول إن 76% من السكان يقطنون على مسافة تقل عن (5 كلم) من اقرب مؤسسة صحية ويشير ذات المصدر إلى أن المؤسسات الصحية التي تتوفر بها الخدمة الأساسية للرعاية الصحية لا تتجاوز 15.3%وقد أثمر هذا الجهد في تراجع نسبة الوفيات داخل المستشفيات للعشرة أمراض الأكثر سبباً للوفاة من 49% إلى 38% مع ملاحظة انحسار نسبة الوفاة بأمراض الفقر (الملاريا وسوء التغذية وفقر الدم والسل الرئوي) التي انخفضت إلى النصف من (19% إلى 10%) ، فيما كشف تقرير المجلس القومي للسكان عن ارتفاع فى معدل وفيات الامهات بالسودان ووصفها التقرير بانها الاعلى فى العالم 1107 لكل 100000 امرأة حامل كان النصيب الاعلى لجنوب السودان الذي سجل 2037 حالة وفاة لكل 100000 امرأة حامل مقابل 638 حالة في الشمال، والرضع 81 حالة وفاة لكل 1000 حالة ولادة و112 حالة وفاة للاطفال دون سن الخامسة كما أكد تقرير المجلس تفشي الاسهال والالتهاب الرئوي والامراض المرتبطة بالفقر كما كشف عن اصابة 32،5% من الاطفال دون سن الخامسة بسوء التغذية المزمن او الحاد فى مقابل معاناة 31% من نقص الوزن . واقر التقرير بتدني نوعية خدمات الامومة ورعاية طوارئ الولادة فى المرحلتين الاساسية والاحالة على المستوى الاول الامر الذي دفع 77% من النساء الى الولادة فى المنزل واعترف بانخفاض معدل انتشار وسائل منع الحمل الى 8% فى الشمال نظير 1% بالجنوب وحذر التقرير من مغبة ازدياد معدلات حمل المراهقات بالجنوب والتى قدرها بـ204 لكل 100000 فتاة فى ظل ارتفاع معدل الحاجة غير الملباة لتنظيم الاسرة .
كما أشار تقرير المجلس إلى تفشي الملاريا وظهور حالات جديدة للسل وقال ان حوالي 80% من السكان فى شمال السودان معرضون لخطر انتقال الملاريا وحسب مسح مؤشرات الملاريا فى اكتوبر 2005م فان انتشار الملاريا بين الاطفال الذين تقل اعمارهم عن خمس سنوات تتراوح بين 0،4-15،5 وبين 3،7 -10،3 للنساء الحوامل اما السل الذي قدرت حالاته فى 2005م بنحو 36740 فان معدل خطر الاصابة السنوي كما يشير التقرير يقدر بـ180 حالة لكل 100000 من السكان ولفت التقرير الى ان معدل نجاح العلاج يكاد يقارب الهدف الذي حددته منظمة الصحة العالمية . السكان والتحضر والهجرة الداخلية والدولية وفقا للتقرير فان اعداد المهاجرين الداخلين بلغ 3،4 مليون نسمة حسب تعداد 1993م نصفهم تقريبا هاجروا الى الخرطوم 48 % من هذه الهجرة كانت من المناطق الحضرية فى مقابل 46،1 من المناطق الريفية ويقول التقرير ان الصراعات التى شهدتها البلاد وتحديدا فى الجنوب والشرق وجبال النوبة وجنوب النيل الازرق وابيي ودارفور ادت الى نزوح اعداد كبيرة من السكان حيث بلغت هجرة السكان بسبب الصراعات المسلحة 8،2 مليون نازح و1،7 مليون لاجئ فى الدول الافريقية المجاورة الامر الذي اثر على حجم السكان وتركيبته النوعية والعمرية بجانب تأثيراته الثقافية والعرقية والدينية الى ذلك ربط التقرير نجاح خطط ادماج عودة واعادة دمج النازحين واللاجئين التى وضعتها الحكومة فى اطار شراكة مع الامم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة بكفاية تدفق الاموال من الجهات المانحة بجانب ايجاد حل لازمة دارفور بشكل نهائي.
وبالرغم من الزيادة الكبيرة التى طرأت على انفاق الحكومة على برنامج الحد من الفقر الا ان التقرير يرى ان الانفاق على الفقراء لايزال بمستوىً غير كافٍ ويعتبر واحداً من سلبيات محفزات عجلة التنمية وعزا التقرير ازدياد معدلات الفقر بالبلاد الى وجود مستويات عالية من البطالة والعمالة المقنعة حسب وصفه حيث تشير الاحصاءات الى ان هنالك اكثر من 60% من القوى العاملة فى الحضر يعملون فى القطاع غير الرسمي او فى مهن هامشية وتوقع التقرير ارتفاع مستوى الفقر خصوصا فى اوساط الاسر التى تعولها نساء والتى قدرت بـ 12%.
في الوقت الذي أمن فيه تقرير الرعاية على أن التعليم الجيد راقي النوعية يعتبر وسيلة مهمة في بناء القدرات الأساسية وفي هذه النقطة يتفق التقريران من حيث المبدأ ويفترقا من حيث النتائج حيث يسترسل تقرير الرعاية الاجتماعية بذكره أن دستور البلاد الانتقالي اعتبر التعليم الأساسي حقاً لكل مواطن . وقد بذل جهد مقدر باتجاه تعميمه ، فزاد عدد المستوعبين في مرحلة الأساس بحوالي مليون من 4.3 مليون إلى 5.3 مليون بمعدل نمو سنوي 6.7% وزاد معدل الاستيعاب من 63.7 % إلى 68.7 % ومعدل القبول الظاهري من 67.3% الي 70.1%. وتقدر نسبة المستوعبين في المرحلة الثانوية بنسبة 28% من الأطفال في سن المرحلة . فيبدو من البيانات إن الفجوة النوعية لمعدلي القبول والاستيعاب ظلت ثابتة في مرحلتي الأساس والثانوي علماً أن الفجوة في التعليم العالي أصبحت لصالح الإناث بينما تقرير المجلس يقول بالرغم من التقدم الكبير الملاحظ في معدل معرفة القراءة والكتابة للنساء في شمال السودان التي تحسنت بمعدل 20% في عام 1990 إلى 62% في العام 2007 إلا أن هناك تفاوت بين الولايات والجنس ودلل على ذلك بانخفاض نسبة البنات المكملات لمرحلة الأساس إذ لم يتجاوز 21% وينخفض إلى 2.1% (2006) وأضاف التقرير أن الانفاق على التعليم منخفض للغاية ويتوقع أن يكون أقل في جنوب السودان غير أنه لم يورد حجم الإنفاق واعتبر أن علة تكلفة التعليم لا سيما للأسر الفقيرة لا يشجع على مشاركة الفتيات وأضاف تقرير الرعاية الاجتماعية أن الزكاة بالإضافة إلى إنها شعيرة تعتبر أداة حاسمة في التصدي لكافة أنواع الفقر المزمن والعابر و الطارئ والمؤقت ولقد تطورت الزكاة في السودان جباية ومصارف وفقهاً. وقد زادت الجباية من 314 مليون جنيه الى 392 مليون جنيه بمعدل نمو اسمي سنوي 11.1% يعكس تطور الجباية. بجانب تواصل الجهد في إنفاذ الرؤية التطورية لصناديق الضمان الأخرى مثل المعاشات حيث تم إنجاز التوازن المالي للصناديق وبدأ تحسين الحد الأدنى للمعاش والمعاش التأميني فارتفع الحد الادنى للمعاش من(90) جنيه الى(129) جنيه والحد الأعلى من(442) جنيه الى (620 ) جنيه. كما ساهم صندوقا المعاشات والتأمين الاجتماعي في مشروعات التنمية للمعاشيين تضاعف عدد المستفيدين 2.7 مرة. من 4513 الى 12411 كما تضاعف الصرف الفعلي 4 مرات من حوالي 10مليون جنيه الى حوالي 40 مليون جنيه. ونسبة لضعف المعاشات قدمت الصناديق إسناد اجتماعي زادت الاعداد المستفيدة من 59 الف الى 85 الف والصرف الفعلي من 8.7 مليون جنيه الى 16.2 مليون جنيه. بجانب زيادة التغطية السكانية للتأمين الصحي من 5.6 مليون نسمة الى 8.9 مليون نسمة بمعدل نمو 15.7% سنويا خلال الفترة موضوع الدراسة ، ووصلت نسبة التغطية إلى 35% من المستهدفين . وتشير البيانات الى أن 40% من القادرين على دفع اشتراكات من العاملين في القطاعين العام والخاص وأن 60% مكفولين أو مضمومين بواسطة تنظيماتهم أو تأمين حر.. حيث بلغت نسبة كفالة الأسر الفقيرة وأسر الشهداء 16% والمكفولين من معاشي الصندوقين 9%.
إلى هنا نكتفي بهذا الحد من المقارنة بين التقريرين ونترك للقاريء الكريم الحكم عليهما والمقارنة بأرض الواقع وفي الحلقة القادمة بإذن الله نورد آراء الخبراء والمختصين عنهما.
محمد صديق أحمد :الصحافة