جعفر عباس

وأصبحت من أصحاب «الأملاك»

[JUSTIFY]
وأصبحت من أصحاب «الأملاك»

هجرت الجامعة بعد أشهر من التحاقي بكلية الحقوق/ القانون، وعملت مدرسا في «الخرطوم بحري الأهلية الوسطى الجديدة»، في انتظار بدء العام الدراسي الجديد للالتحاق بكلية الآداب، وكانت الخدمة المدنية في السودان ولعشرات السنين، تعمل بنظام درجات ثابت ومتعارف عليه لكل فئات العمال والموظفين، استنادا إلى مؤهلاتهم، وتأتيك الترقية في زمن معلوم فلا تحتاج لكتابة عريضة او استرحام (ما لم يكن تقرير أدائك زي الزفت)، وكان حامل الشهادة المتوسطة يحصل على وظيفة في «سكيل scale k»، والحاصل على الشهادة الثانوية في سكيل جيه J والجامعي في سكيل كيو ومنها يترقى إلى «دي إس» ثم «بي»، وتسمية الدرجات الوظيفية تنم عن أن الإنجليزية ظلت لغة أساسية في الخدمة المدنية، بل كان بإمكان الحاصل على الشهادة الابتدائية أو المتوسطة الحصول على ترقية فورية إذا نجح في امتحان الـ«سي إس CS» وهي اختصار للكلمة الإنجليزية للخدمة المدنية «سيفيل سيرفيس»، وكان الامتحان حول مهارات العمل المكتبي ومبادئ المحاسبة ومسك الدفاتر ومدى الإلمام بالإنجليزية.
المهم أن وظيفتي كمدرس في المرحلة المتوسطة ضمنت لي راتبا شهريا قدره 21 جنيها، فصرت من علية القوم، وكنت في كل عطلة اسبوعية أدعو بعض زملائي الى الآيسكريم والدجاج (ظهرت أول شواية دجاج بالكهرباء في سوق الخرطوم 2، وكان دجاجها باهظ الثمن – 15 قرشا – لا يقدر عليه سوى المقتدرين من أمثالي ذوي الرواتب العالية)، وكنت خلال تلك الفترة أقيم مع أخي عبدالله في «حلة خوجلي» في مدينة بحري، واستقل الحافلات العامة حتى مكتب البوستة (البريد) ثم أكمل المسير نحو كيلومترين على القدمين إلى المدرسة، وذات يوم كنت أمر بالقرب من نادي التحرير الرياضي، عندما لفت انتباهي تجمهر يتصايح فيه البعض حول سعر دراجة، وعرفت أن صاحبها يعرضها للبيع لمن يأتي بأفضل سعر، ولما أعلن أحد المزايدين عن استعداده لدفع جنيهين ونصف الجنيه انسحب معظم المتنافسين، ووجدت نفسي أقول لا إراديا: 3 جنيهات، فقال لي صاحب العرض أبو 2,5 جنيه: أنت أهبل.. دي عجلة عمرها مليون سنة، ولكن صاحب العجلة (الدراجة) قال لي: هات ومبروك، فدفعت له الجنيهات الثلاثة وركبت العجلة وتجولت بها في المدينة حارة، حارة، زنقة، زنقة، وسبابتي على جرسها بمناسبة وبدون مناسبة، لزوم لفت الانتباه، وحتى يبلغ الحاضر الغائب بأن أبا الجعافر صار من أصحاب الأملاك ووسائل التنقل الخاصة.
ولم ينل اي شيء امتلكته في حياتي كمية الدلع التي نالتها تلك الدراجة، فقد كنت أغسلها بالصابون عصر كل يوم، وأقوم بتشحيم وتزييت جنزيرها وتروسها، ثم اشتريت لسرجها غطاء مخمليا، وقلت باي باي للحافلات، وذات يوم جلست بقربها وكنت أصلا أوقفها قرب سريري في حوش البيت أتغزل في محاسنها، ورغم أنني من ذوي الاحتياجات الخاصة في كل ما يتعلق بالأرقام، إلا أنني وبالاستعانة بورقة وقلم استطعت ان اتوصل لاستنتاج بأنني استرددت قيمتها بعد شهر واحد من شرائها لأن المشاوير التي قطعتها الدراجة في شهر واحد كانت ستكلفني أكثر من الجنيهات الثلاثة التي دفعتها فيها، لسبب بسيط، وهو أنني صرت أفتعل المشاوير للاستمتاع بركوبها، وساعدني ذلك على اكتساب سمعة بين أهلي في المدينة بأنني الأكثر وصلا للأرحام، وكنت أمتطيها عبر جسر النيل الأزرق لزيارة زملائي في الجامعة، وكنت أرى في عيونهم نظرات الاحترام والإعجاب، وبالطبع لم يخل الأمر من: ممكن سحبة؟ (وسحبة هذه في لغة الدراجات تعني ركوبها لفترة قصيرة).

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

تعليق واحد

  1. [COLOR=#0300FF][SIZE=4][FONT=Tahoma]بصراحة رائع ومبدع يا أبو الجعافر،،، بالمناسبة كتاباتك صارت هي متنفسي الوحيد في الصحافة الإلكترونية.
    إلى الأمام، ومزيد من الإبداعات.[/FONT][/SIZE][/COLOR]