هيثم كابو

ماسأة أطفال السرطان

ماسأة أطفال السرطان
[JUSTIFY] * اغرورقت الأعين بالدمع.. استوطن الأسى بين الضلوع.. تسربل الجميع بأثواب الحسرة ولفّهم الحزن إزاراً ورداء.. حاولنا جاهدين أن نظهر أمامهم متماسكين أقوياء، ولكن للأسف الشديد فضحنا ضعفنا رغم محاولاتنا المستميتة.. ابتدعنا أكثر من أسلوب في حربنا ضد طوفان الدموع المنطلقة بحوراً ولكن هيهات، لم ينجح أحد منا في حجب مظهر ضعفه حتى أولئك الذين حاولوا الاستفادة من بيت شعر بديع خطه يراع صديقنا أزهري الحاج ساعة حزن وهو ينشد باكياً :

سُدى كل العرفنا بلاك خزاز وفجيعة

نقيد جمر السؤال نرجاك

نداري الدمعة بالصنقيعة!.

* حاول بعضنا مداراة الدمع بـ(الصنقيعة)، ولكن المُقل حلبت كل ما في جوفها من أسى وحسرة وبكى الجميع بـ(حرقة حشا).. نعم، أصاب أجسادهم الهزال، وها هو الوهن يغزو هياكلهم، والشحوب باد على وجوههم، ولكننا كنا أكثر منهم ضعفاً وهزالا، رأينا مشاهد ينفطر لها القلب، ولو احتجبت الحروف واحتل الفوتوغراف هذه المساحة لما قرأ أحدكم حرفاً من هذه الصحيفة التي يمسك بها بين يديه الآن لاختلاط حابل الحبر بنابل الدمع.!!

* زيارة خاطفة قمنا بها أمس برفقة مجموعة من الأصدقاء للأطفال المصابين بمرض السرطان اللعين بمستشفى الذرة، كانت بمثابة وقفة للعظة والاعتبار، وشكراً لله سبحانه وتعالى على الصحة التي ننعم بها وأبناؤنا قبل أن تكون زيارة للتخفيف على أولئك الأطفال الصابرين.. يا لهول ما رأينا!.. ويا لقسوة قلوبنا التي لا ترتاد مثل هذه الأماكن صباحاً ومساء حتى نكبح جماح النفس الذي يخدعه بريق العافية والعنفوان ولا يعرف معنى الابتلاء.!!

* إنها دعوة مفتوحة للجميع :

زوروا مستشفى الذرة اليوم وغداً وبعد غدٍ حتى تنشق أفئدتكم نصفين، وتغسل الدموع خطايا إهمالكم لهؤلاء المساكين.. وقبل أن تتجه أنت وأطفالك إلى أحد المطاعم الفاخرة أو الملاهي الراقية تعال لتلقي نظرة على أطفال في سن أبنائك تماماً، يتمزقون ألماً والأورام تستشري في أجسادهم.. تعال لترى دموع أب وقفت ظروفه المادية حائط صد أمام شراء بعض الأدوية لطفله الذي يقف على شفا حفرة من الضياع والوداع.. غادر عربتك الفارهة وهواء تكييفها الذي يقيك شرور الصيف الذي يلفح الوجوه ويلسعها بلا رحمة.. غادرها وادخل عنبر الأطفال المصابين بالسرطان لتساعد بما تستطيع، وتنذر بقية عمرك حمداً لله سبحانه وتعالى الذي منحك وأفراد أسرتك الصحة والعافية.

* ثمة سؤال يفرض نفسه في هذا الشهر الفضيل :

إلى متى سنظل نحرص على الذهاب لمن تعتبر زيارتهم نوعاً من (البرستيج) لا أكثر، وهناك من يجب علينا أن نكثف من زياراتنا لهم بيد أننا نجافيهم دون أسباب منطقية؟!!

* قضينا أمس بعض الوقت مع مجموعة من الأصدقاء داخل مستشفى الذرة بالخرطوم التي قصدناها بهدف التخفيف على أطفال فتك المرض بهم وسيطر الحزن على أسرهم.. ذهبنا لنمسح آهة فإذا بنا نغرق في بحور من الدمع.. كان هدفنا مواساة أناس صابرين فإذا بنا في حاجة لمن يواسينا.. ولعن الله هذه الدنيا الفانية التي تخدعنا في الانشغال ببعض المشاوير والمواضيع الهامشية والقضايا الثانوية، بينما رسالية الإعلام الداعية للحق والخير والجمال تتجسد تماماً في مثل هذه الزيارات الخيرية والاهتمام بالقضايا الإنسانية.!!

* ما هي قيمة الترابط والتعاضد إذا لم نمد يد العون لمثل هؤلاء الأطفال.؟ عن أية رسالة تتحدث الصحافة إذا لم نستنفر طاقات المجتمع بشرائحه المتباينة للوقوف مع هؤلاء المغلوبين على أمرهم ممن فتك بهم المرض ومزق الحزن قلوب أسرهم؟.

* لا تكفي الزيارات وحدها وتقديم الهدايا مثلما فعلنا أمس وقبلها مرات عدة.. علينا أن نكون أكثر تحركاً وفاعلية.. ما قام به أصدقاؤنا أمس لمسة حانية هدفها أن يحس أولئك الصابرون أن جميع شرائح المجتمع معهم وقريبة منهم وتشعر بآلامهم وأحزانهم وتجسد معنى حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

* نعد إخواننا الأطفال المصابين بمرض السرطان أن نكون معهم دائماً، وهناك أكثر من فكرة ومشروع سنسعى لإنجاحه من أجل رسم الابتسامة على شفاههم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ونأمل أن يتحرك رجال المال والأعمال أكثر وأكثر وننتظر من الشركات الكبرى أن تلعب دورها، ونعاهدكم أننا سنلاحق من أجلهم الجميع ولن نترك أحداً حتى نراهم في بيئة أفضل ومن حولهم كوادر طبية (كاملة العدد)، وبعد ذلك نرفع الأكف ضراعة لله سبحانه وتعالى سائلين المولى أن يضخ الصحة في أوردتهم وينفخ العافية في أرواحهم، وصدق عز وجل القائل في محكم تنزيله: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين).

نفس أخير

* ولنردد خلف قاسم أبو زيد :

يا القابضين على الجمرة

ويا النائمين بدون تمرةِ

[/JUSTIFY]

ضد التيار – صحيفة اليوم التالي