لبنى عثمان

أنا أكتب.. إذاً أنا أتنفس

[JUSTIFY]
أنا أكتب.. إذاً أنا أتنفس

لا شيء يمكن أن يغلق عليك الدنيا ويضعك في صندوق عتيق ذي قفل لا يُفك بأعتى المفاتيح..

لا شيء يمكن أن يعطيك هذا الإحساس سوى أن تكون حُريتك قد صُودرت بفعل ملل أو كسل أو مزاج.. وإن استمر طويلاً أصبح نذير شؤم ومصدر قلق لأن المتعود على الانطلاق والطيران لا يقوى إطلاقاً عندما يعجز جناحاه عن التحمل..

إن التفريغ الذاتي لمحتوى النفس البشرية أمر ضروري.. فالله سبحانه وتعالى وهبنا نعمة عظيمة وهي الكتابة وإن كان قد وهبها لبعض عباده الذين سخرهم لتنوير الناس وأكرمهم بوسيلة للكشف عن مكامن صدورهم ومايعتمل فيها من تعب.. وما يلهب أوردتها من قلق عندما تضيق السماء وتثور الارض على متاعبها..

حالة من العطش الذاتي.. لا يمر بها الكثيرون وإنما يتعايش معها بعض الذين تأزموا وتورطوا في صياغة فكرة يومية أو أسبوعية تضعهم في مأزق حقيقي.. وتحد سافر للمزاج وللمكان وللبيئة المحيطة التي قد تكون ذات صدفة.. السبب الرئيس لتحولات أي كاتب ما بين الحضور والغياب..

ولا شك في أن لطقوس الكتابة التى يتبعها أي مبدع بصرف النظر عن نوعية أوشكل إبداعه ومشروعاته الجديدة التي يشتغل عليها أهمية كبرى في تكريس حضور الكاتب وغيابه لفترات عن قُرائه.. ربما لأن الأجواء التي اعتاد المغامرة فيها بالكتابة.. لم تكن مهيأة بالشكل الذي أراده.. ما أثر سلباً في حضور فكرته وبالتالي تلاشيها نتيجة الفصل الحادث بين الرغبة في الكتابة والتغير في البيئة التي اعتادها أثناء الاشتغال على فكرته الجديدة..

وإن سألتموني لذاتي عن سبب تغيبي عن ملكة الكتابة في الفترة الماضية..

أُجيب: ذلك بسبب غياب إحدى ملكات الكتابة لديّ وأحد الأوردة المُغذيه لأفكاري والأمل الباعث للحياة في جنبات ذاتي

إنها.. صديقة الروح وحبيبة القلب (أمي) عافاها الله وحفظها.. فقد كان لغيابها الأثر الكبير في فقد الكثير من التوازن لديّ.. وكان أيضا لسقوطها بين براثن المرض فجأة في أحد أعرق المستشفيات بالمملكة العربية السعودية.. الأثر الأكبر للتشتت الفكري والألم النفسي الذي ألم بي في الفترة الماضية.. ولكنني أحمد لله عز وجل أن أكرمها وأكرمنا بثوب العافية.. وأجدني أطمع كثيرا في فيض رحمته أن يقر عيني برؤيتها والاطمئنان عليها أكثر.. فعذرا إن غبت عن الساحة الفكرية وعن مشاركتكم كلماتي القلبية.. فالحمد لله كثيراً على كل حال نحن فيه والحمد لله كثيراً على كل نعمائه علينا..

وأعود من جديد لإحساس الكتابة وسيل البوح المميز..

ففي الكتابة بعض ارتقاب وقوافل من الصبر تجد طريقها في الكلمات وعلى طول طرقات السطور..

وللكتابة فنون وطُرق شتى تختلف من كائن لآخر.. فقد قيل إن الشاعر العربي الراحل (نزار قباني) كتب أُولى قصائده على ظهر سفينه وإن أمير الشعراء (أحمد شوقي) كان يكتب على أي ورق يصادفه.. بينما كان الروائي (جون شتاينبك) الحاصل على جائزة نوبل للأداب عام 1967م.. يفضل الكتابه في كوخ منعزل عن العالم ففي تقديره أن العُزلة ضرورية لإنجاز الإبداع المتفرد وفي ذلك الكوخ أخرج أعظم أعماله مثل (عناقيد الغضب) و(اللؤلؤ) وهي أهم الأعمال التي أهلته للحصول على نوبل وغيرها بالطبع كثير..

إن الكتابه أيضاً عمل خُرافي ومغامرة غير محمودة العواقب فكم من كاتب راح ضحية لكلماته.. وكم من شاعر قضى نحبه بسبب بيتُ هو قائله أراد منه هجاءً أو شتماً أو قذفاً لأمرئ ماله من سلطة ما يؤهله للقضاء على الشاعر ولسانه اللاذع.. وللشيخ عائض القرني كتاب مفصل في هذا الشأن يحمل عنوان (شعراء قتلتهم قصائدهم).

إن الكتابة مغامرة.. بل ورطة كبيرة من وقع بين براثنها لا يستطيع الفكاك منها أو التعالي عليها.. أو القسوة في معاملتها بل هو تابع لها متى ما جاءت استل يراعه وكتب ومتى ما تمنعت هام في صحراء الخيال وحيداً.. إلا من قلق مزمن أو أرق يأكل العيون بالسهر..

شيء مني

الكتابة بالنسبة لي..

مرفأ للجروح.. وسهر للروح.. ومُتكأ للبوح..

[/JUSTIFY]

كلمات على جدار القلب – صحيفة اليوم التالي