الـــوضـــع فــي إفـــريقيا الوسطـــى.. وصــورة مصغــرة للولايــات
ما سنفعل لإفريقيا الوسطى؟!
كثيرون لا يعرفون أن دولة إفريقيا الوسطى المجاورة لبلادنا في أقصى حدودنا الغربية الجنوبية، تتأثر بشكل مباشر بأية خطوة نخطوها نحوها وتؤثر أحداثها التي تجري في داخلها فينا.. وأن هناك تداخلاً وترابطاً عرقياً وثقافياً بيننا وبين الأجزاء الشمالية والشرقية من هذه الدولة المغلقة مما يجعل من الضرورة بمكان أن نعلي اهتماماتنا بها ونسعى إلى مساعدتها لتجاوز أزمتها الراهنة التي كان ضحيتها المسلمون في هذه الدولة.
وزيارة رئيس وزراء هذه الدولة الجارة السيد «أندريه نزابايكيه» إلى الخرطوم، أوضح دليل على أن أزمة هذا البلد الذي لعبت به المصالح الدولية لعبتها الخبيثة وصنعت حربه الأهلية الضروس التي أدت لتدخل عسكري غربي ارتكبت فيه انتهاكات واسعة ومذابح دموية، تحتاج إلى تفاهم وتدخل سوداني للمساعدة على وقف العنف وفتح آفاق السلام والتصالح والاستقرار.
ومعلوم أن سبب هذه الأزمة وصناعة العنف الثروات الضخمة التي تمتلكها، فهناك اليورانيوم والماس والذهب ومعادن ثمينة أخرى تسعى القوى الغربية للسيطرة عليها ومنعها من أن تقع في أيدي جهات معادية أو وضع المسلمين في هذا البلد أياديهم على تجارتها وصناعتها.
واتخذ الصراع بعداً دينياً خطيراً ينبغي أن تبذل جهود حثيثة من أطراف إقليمية ودولية لوقفه بعد عجز الدول الغربية عن تثبيت الأمن والاستقرار والتطهير والإبادة على أساس ديني، وتواطأ الغرب مع جهات داخلية بعد وصول حركة «سيليكا» للسلطة، وكانت المؤامرة على هذه الحركة باعتبار أن قادتها وقاعدتها من المسلمين، وتم إخراجها من الحكم، وشرع الغرب مع حلفائه في الداخل في تصفية وجود المسلمين والتنكيل بهم.
إذا كانت زيارة رئيس وزراء إفريقيا الوسطى في إطار البحث عن السلام والاستقرار، فإن السودان مؤهل ومهيأ أكثر من أية جهة إقليمية ودولية للعب هذا الدور، إذا صدقت نوايا الإخوة في إفريقيا الوسطى ورفعت فرنسا وصويحباتها أياديها القذرة الملطخة بالدماء.. وتجربة إفريقيا الوسطي لفرنسا هي نفس ما قامت به في مذابح رواندا تلك على أساس قبلي بين الهوتو والتوتسي، وهذه بين المسلمين والمسيحيين في إفريقيا الوسطى.
جنوب دارفور صورة مصغرة
يجب أن نعترف بأن صحافتنا هي صحافة الخرطوم وليس كل السودان، وحتى المساحات التي تفردها الصحف للشأن الولائي قليلة ولا تفي بالغرض ولا تشبع رغبة أهل الولايات.
ونحن في زيارة صحفية لولاية جنوب دارفور، نكتشف أن الذي يجري في ولايات السودان وإهمال قضاياها من قبل الحكومة الاتحادية وسوء تقدير المركز لكثير من همومها، هو الذي يساعد على القطيعة والنفور بين مواطني الولايات ومركز السلطة والثروة والقرار في البلاد.
وجنوب دارفور صورة مصغرة لما يحدث في ولايات أخرى تعاني من مشكلات معقدة ومركبة لو تفهمتها الحكومة الاتحادية وعرف المركز أبعادها، لتجنبت وتجنبنا الكثير من النتائج الوخيمة التي حلت بنا.
لا يمكن تصور أن قضايا مال التنمية ونصيب الولايات لدى المفوضية القومية لتخصيص الإيرادات ووفق المعايير التي تخصص بها هذه الأموال، تُظلم فيها الولايات إلى هذا الحد المزري، حيث تفقد قدرتها على تنفيذ أية مشروعات حقيقية تغير وجه الحياة وتحقق الرضاء لدى المواطن وتجسر الفارق بينها وبين الخرطوم ومدن كبيرة أخرى، وتعجز حكومات الولايات عن الإيفاء بالتزاماتها والقيام بأعباء إضافية ألقيت على عاتقها خاصة الولايات التي تعاني من تحديات أمنية مثل ولايات دارفور.
ومنذ خروج دارفور من دورة الاقتصاد القومي كما يقول الدكتور خالد التيجاني، لم تفقد ولاياتها فقط القدرة على مواجهة تحديات التنمية والخدمات، إنما تأثر السودان كله بسبب الحرب التي دمرت كل شيء وكسرت دورة الحياة الطبيعية ومنعت المزارع من الزراعة والراعي من الرعي والتاجر من مزاولة أنشطته وأعماله التجارية، ولذلك فإن الملمح الأول في مدينة ضخمة مثل نيالا وهي الثانية بعد الخرطوم من حيث عدد السكان والنشاط التجاري، يغني عن السؤال بسبب ضمور الخدمات بسبب تناقص الإيرادات بسبب الحرب وتزايد عدد سكان المدينة بعد حالات النزوح، والصرف الكبير على التأمين وحماية المواطنين والتراجع التدريجي في الدعم المركزي الذي لا يغطي حتى الفصل الأول في ميزانية الحكومة.
ولذلك وجدنا أن الغلاء الفاحش يضغط على المواطنين، وترتفع أسعار كل السلع بوتيرة متسارعة مع ارتفاع تكاليف نقل الوقود والمحروقات، فجالون الجازولين أو البنزين، تبلغ تكلفة نقله من الخرطوم ثمانية جنيهات تضاف مع هامش الربح إلى سعره الأصلي، ويحمل المواطن هذه الكلفة في كل شيء يباع ويشترى.
وبالرغم من أن دارفور من أغنى بقاع السودان خاصة ولاية جنوب دارفور الغنية بمواردها الطبيعية وثروتها الحيوانية وإنتاجها الزراعي، إلا أن المدينة تعاني من قطوعات في التيار الكهربائي بصورة لم يسبق لها مثيل وقطوعات في المياه، ولدى الحكومة الولائية خطط وبرامج وأفكار.. لكن ضيق ذات اليد ومعيقات أخرى تقف حجر عثرة أمامها، وتوجد فرص للاستثمار في شتى المجالات لكن الطرق لا تبدو سالكة.. وتلك قضايا سنتناولها بالتفصيل في تقارير صحفية لاحقاً.. لكن المحير حقاً أن الخرطوم أياديها مغلولة إلى أعناقها، وولايتنا ومواطنوها في مواجهة التردي الخدمي ونقص الأموال والثمرات!!
[/JUSTIFY]
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة