حوارات ولقاءات

القرضاوي:المظاهرات إذا استهدفت إيقاظ الأمة فهي جهاد

اعتبر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن الجهاد لا يقتصر فقط على حمل السلاح والقتال، موضحًا أن هناك جهادًا مدنيًا يشمل تعليم الناس وتثقيفهم وتشجير الشوارع والحفاظ على الصحة وبناء المستشفيات، كما أن هناك جهادًا اجتماعيًا برعاية الأسرة وحمايتها من التفكك.
وأشار إلى أن ذلك لا يتعارض مع جهاد القتال أو يلغيه، لافتًا إلى أن الأمر يندرج في إطار التخصيص وتوزيع الأدوار، لتتمكن الأمة من سد كل الثغرات، وأكد أن التظاهرات تعد جهادًا مدنيًا إذا استهدفت إيقاظ الأمة لقضية من القضايا أو لرد العدوان.
وتطرق العلامة القرضاوي، خلال حلقة الأمس من برنامج «فقه الحياة» الذي يستضيف العلامة القرضاوي طوال شهر رمضان على قناة «أنا» الفضائية (تردد 12226 أفقي نايل سات) ويقدمه أكرم كساب، إلى دور المرأة في الجهاد، مشيرًا إلى أن المرأة تجاهد سواء بالقتال او بمعاونة المقاتلين وإسعاف الجرحى، وفي الحروب الحديثة فإنه إذا لم يمنعها مانع فلها أن تشارك مثل الرجل تماما.
وأوضح أنه في جهاد الدفع للمرأة دورها كدور الرجال، حيث تخرج للجهاد بدون إذن زوجها أو أبيها، ضاربًا المثل بالعمليات الاستشهادية التي نفذتها فلسطينيات.
** الجهاد المدني مصطلح جديد، وحسب علمي أن لكم السبق في هذا، فما المقصود بهذا المصطلح الجديد وهل هذا خروج عن الجهاد الذي عرفه الناس في القديم؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد..
فالجهاد المدني هو كلمة أطلقتها عندما أسسنا مؤسسة القدس الدولية، التي شرفني الإخوة برئاستها، وهذه المؤسسة مهمتها الحفاظ على القدس، كبلد، ومدينة، ومسجد، ومقدسات، وكشعب، بمسلميه ومسيحييه؛ لأن اسرائيل تحاول أن تفرغ القدس من أهلها، وتعاملهم معاملة تجعلهم يملون وييأسون ويتركون البلاد بما فيها.
فنشأت مؤسسة القدس، فيها عرب وعجم، ومسلمون ومسيحيون، وسنة وشيعة، وإسلاميون وقوميون، أي من كل الفئات، وقد سألني بعض الإخوة: أليس من حقنا أن نجاهد في سبيل الله، ونحرر القدس ونقف أمام الطغيان الإسرائيلي، فقلت لهم: نحن هنا نجاهد ولكن جهادنا جهاد مدني وليس بجهاد عسكري، فكان هذا أول استخدام لهذا التعبير على ما أعلم.
——-
** لعل البعض يتوهم أن في هذا نوعًا من التخاذل، وفصل بين المدني والعسكري، فأين الشمول؟
هناك شمول في الدعوة، ولكن الحركة يجب يكون فيها تخصص؛ لأنه أيضًا حينما دعوت إلى إنشاء الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، لمقاومة موجات التنصير والمنصرين الأمريكيين الذين أرادوا أن ينصروا المسلمين في العالم، اجتمعنا في الكويت لوضع النظام الأساسي لهذه المؤسسة وكان من ضمن قواعدها ألا تتدخل لا في السياسة ولا في الجهاد، وقال لي بعض الإخوة وأذكر منهم الدكتور أحمد الملط ـ رحمه الله ـ : أأنت يا شيخ يوسف الذي تدعو إلى الإسلام الشامل، وإلى أن الإسلام عبادة وقيادة وصلاة، وجهاد، ودين، ودولة، وحق، وقوة، أنت الذي تقول لا نتدخل في السياسة ولا نتدخل في الجهاد، قلت له: أنا أؤمن بأن الإسلام يشمل هذا كله، ولكن أؤمن بالتخصص؛ لأننا في هذه الهيئة متخصصون في العمل الخيري والعمل الدعوي، وليس لنا علاقة لا بالسياسة ولا بالجهاد، اللي يريد يجاهد فيه مؤسسات مخصصة لهذا.
هذا الذي قولته في الهيئة الخيرية، وقولته أيضًا في مؤسسة القدس للإخوة الذين قالوا لي: وأين الجهاد؟ الجهاد له أناس، وهناك فصائل مخصصة للجهاد وللمقاومة والعمل العسكري، إنما عملنا نحن عمل مدني، نجاهد في هذا الميدان.
** إذن هو تخصص وتوزيع أدوار؟
نعم.

تأصيل شرعي
** من أين استقيتم فكرة الجهاد المدني؟ وما تأصيلها الشرعي؟
بالنسبة للتأصيل الشرعي فإن القرآن نفسه يشير إلى أن الجهاد ليس جهادًا فقط بحمل السيف، كما في سورة الفرقان حينما قال: (فَلاَ تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً) أي بالقرآن، فاعتبر جهاد البيان، وجهاد التبليغ، وجهاد الدعوة (جِهَاداً كَبِيراً).
والجهاد يكون أيضًا بتحمل الأذى والصبر على مراحل الطريق وإن طال (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ) وقال: (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ) وكذلك في آخر سورة العنكبوت (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
وقد ذكرنا فيما سبق، جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الظلمة، وهذا كله من الجهاد الاجتماعي، والرسول ـ عليه الصلاة والسلام يقول عن هؤلاء الظلمة: «من جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» فاعتبر هذا نوعًا من الجهاد.
** إذن فضيلتكم تعتبرون أن تغيير المنكر بأنواعه يدخل تحت الجهاد المدني؟
نعم، من الجهاد المدني جهاد اللسان، والرسول عليه الصلاة والسلام قال لحسان ثابت: «إن المؤمن ليجاهد بلسانه، وقال له: اهجهم- أي الكفار- فشعرك عليهم أشد من وقع الحسام في وقع الظلام، اهجهم وروح القدس يؤيدك، فالجهاد قد يكون بالشعر وبالبيان، وبعض الصحفيين يمكن أن يجاهد بكتابة مقالة أو عمل تحقيق صحفي يكون أشد على اليهود من العمل بالسيف.
والقرآن أيضًا أشار إلى قضية مهمة، حين قال بعد غزة تبوك (وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا) فلا يصح أن يعمل كل الناس في الجهاد العسكري، وتنسى الأمور الأخرى، والأمة الواعية هي التي تسد كل الثغرات، فلابد أن يوجد من يفقه الناس في الدين، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع»، ولذلك نحن نعتبر العمل العلمي والعمل التعليمي، وتثقيف الناس وتعليمهم، وفتح المدارس، وفتح الجامعات كل هذا يعتبر نوعًا من الجهاد المدني.

جهاد بيئي وتعليمي
** إذن تسمون ذلك «الجهاد التعليمي» فهل هناك أنواع أخرى من الجهاد المدني؟
نعم، مثلاً النبي عليه الصلاة والسلام جاءه رجل يطلب أن يبايعه على الجهاد، فقال له: «أأحد أبويك حي؟» قال: بل كلاهما حي، قال: «ارجع ففيهما فجاهد» فهذا جهاد أسري أو جهاد اجتماعي؛ للإبقاء على الأسرة حتى لا تتفكك ولا تضيع إذا ذهب عائلها وليس لهم غيره، وأحدهما قال للنبي: «جئت وتركت أبويي يبكيان، قال له: ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما، ويقول لآخر: ارجع إلى أمك الزمها فإن الجنة عند رجليها، كل ذلك نوع من الجهاد الاجتماعي.
** لعلي أفهم أيضًا أن قضية التشجير والتثمير، نوع من أنواع الجهاد المدني؟
هذا نوع من أنواع الجهاد، وهناك أيضا الجهاد الصحي للحفاظ على حياة الناس وصحة الناس، فاليهود مثلا يريدون أن يموت أهل القدس، بمسلميهم ومسيحييهم، جوعًا أو مرضًا أو ضياعًا، فلابد أن نقاوم كل هذه الأهداف، بحيث نحافظ على الصحة، ونحافظ على المستشفيات، ونبني مستشفيات جديدة، ونمد هذه المستشفيات بالأدوية المطلوبة، وبالأطباء المطلوبين، ونبعث ببعض طلابهم إلى الخارج ليستكملوا دراستهم العالية، حتى يعودوا ليقوموا بواجبهم، كل هذا نوع من الجهاد المدني.
** لكن ألا ترون أنه من الممكن في فترة من الفترات أن يرى العلماء أن الجهاد بهذا الشكل هو المشروع، وأن القتال قد رفع تمامًا؟
هذا غير وارد، فالأمر كما أشرنا يتعلق بالتخصص، فكل واحد له وظيفته وله دوره بحسب المكان وبحسب الزمان، وبحسب السياسة الشرعية، التي تقتضي أن هذا غير هذا.
** هل المظاهرات مثلاً تدخل في الجهاد المدني؟
يمكن أن تدخل في الجهاد المدني إذا أردنا بها إيقاظ الأمة تجاه قضية من القضايا، أو أن يحدث عدوان مثلاً على القدس ونحتاج إلى تحريك الأمة كلها.
** هناك من يقول إن هذه المظاهرات فيها ما فيها من البدعة؛ لأننا نقلد الغرب؟
هذا قول عالم أو اثنين، ولا يمكن أن يؤثر على آلاف العلماء الذين يعارضون هذا، وهؤلاء قالوا هذا الكلام ومع ذلك عند الرسوم المتحركة تحركت المظاهرات السلمية في أنحاء العالم، وحينما وقع العدوان على غزة دعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى أن يخصصوا يومًا يكون «يوم الغضب» على المحتلين والمعتدين، واستجابت الأمة الإسلامية لنداء الاتحاد، وقامت بما قامت به في هذا اليوم، فوجود بعض الناس لا يمكن أن يكون مؤثرًا على مجموع الأمة.
** هل تعتقدون أن الجهاد المدني، خاص بالشعوب والأفراد، أم أن الدولة كذلك لها في هذا المجال دور؟
هذه المؤسسات هي مؤسسات شعبية، ولذلك تقوم بهذه الأدوار، والدولة لو دخلت في مثل هذا، وتبنت بعض الجهاد المدني، لا حرج عليها، إنما الأصل في هذه المؤسسات إنها مؤسسات شعبية أهلية مدنية، وما دامت من مؤسسات المجتمع المدني فلا غرو أن تعني بالجهاد المدني.

المرأة والجهاد
** هل دور المرأة في الجهاد يعد من الجهاد المدني، وبداية هل للمرأة أن تجاهد؟
نعم، المرأة لها أن تجاهد، فالجهاد العام مطلوب من الرجال والنساء معًا، حيث يقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج).
هذا خطاب للرجال أم للرجال والنساء؟ لا شك أن هذا خطاب للرجال والنساء جميعًا، وطلب من المسلم عدة أشياء، الشيء الأولى هو أن تحدد علاقتك بالله تبارك وتعالى (اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم) والشيء الثاني أن تحدد علاقتك بالمجتمع، (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) والشيء الثالث أن تحدد علاقتك بأعداء الأمة وأعداء الله (وجاهدوا في الله حق جهاده) فهذه الأشياء الثلاثة مطلوبة من المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، ولكن كل واحد يطلب منه على قدر استطاعته، فأنا مطلوب مني أن أجاهد لكن على قدر استطاعتي، وعلى قدر سني وشيخوختي، وإمكاناتي، والشاب مطلوب منه غير ما يطلب من الشيخ، والمثقف مطلوب منه غير ما يطلب من الأمي، والمهندس يطلب منه ما ليس مطلوبًا من الطبيب.
** لكن هل طبيعة المرأة تتماشى مع ما يتطلبه الجهاد؟
الأصل أن المرأة تشارك في الجهاد بما تقدر عليه، وكان النساء في الجاهلية يصحبن الرجال في الحرب، كما صحبوهن في غزوة أحد، مهمتهن ماذا؟ التحريض، وترديد الأناشيد المحرضة على المسلمين. ونساء المؤمنين كن معهم أيضًا، وكن يقمن بدور مهم في إسعاف الجرحى، وخدمة المرضى، وبعض النساء مثل رفيدة في بعض الغزوات نصبت خيمة لتمريض الجرحى، وهي أول ممرضة في الإسلام.
ولما أصيب سعد بن معاذ ذهب ليعالج عندها، وكان النساء يسقين العطشى، حتى كانت السيدة عائشة ومعها بعض أمهات المؤمنين وبعض نساء الصحابة، يملأن القرب ويفرغنها في أفواه المقاتلين، فعمل النساء في هذا الجانب هو خدمة المقاتلين، ومع هذا وجد في غزوة أحد نفسها من النساء من قاتل، وهي نسيبة بنت كعب أو أم عمارة التي قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيها: ما التفت يمينًا ولا شمالاً إلا وجدتها تقاتل، ودعا لها ولأهلها، ولأولادها، فعند اللزوم ممكن المرأة تحمل السلاح.
** البعض ربما يعترض ويقول إن موقف السيدة رفيدة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ وتطبيبها لسعد بن معاذ في حالة التطبيب سيكون فيه نوع من أنواع المماسة، فهل في هذا نوع من أنواع الاختلاط؟
الرسول أجاز هذا، ويريد المتشددون أن يمنعوه بمماحكات لفظية، هذا ما أجازه الإسلام، فالمرأة لها دورها، أم أنها تترك ابنها وزوجها وأباها يقاتل ويجرح، ولا تقوم هي حتى بإسعاف الجريح، وتضميد جراحه، المعركة تحتاج الأمة كلها، فتقوم المرأة بما عليها حتى لو اقتضى الأمر أن تقاتل، وفي غزوة الخندق صفية عمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأم الزبير بن العوام قتلت أحد اليهود، جاء يتلصص ناحية الحريم، فضربته بفسطاط خيمة فقتلته.

جهاد «أم حرام»
** الإمام البخاري بوب في كتاب الجهاد بابًا جعل عنوانه «باب غزو النساء وقاتلهن مع الرجال»، وأورد فيه أن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ وأمها أم سليم كانتا تحملان الماء، فهل هذا يعد نوعًا من أنواع الجهاد؟
يعد من أنواع الجهاد طبعًا، فإعانة المقاتل هي نوع من المشاركة معه، والنظرية الإسلامية تقول إن الذين يشاركون في المعصية يتحملون الإثم معًا، والنبي لعن في الخمر عشرة؛ عاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه إلى آخره، كذلك الأمر في جانب العمل الخيري والجهادي كما جاء في الحديث: «إن الله ليثيب في السهم الواحد ثلاثة: صانعه يحتسب بصنعته الخير، ومنبله والرامي به»، فالنساء اللاتي يشاركن بالسقي وبالإسعاف يعتبرن في عداد المجاهدين، وفي بعض الفتوحات الإسلامية مثل قتال الروم ذكروا أن بعض النساء، قمن بدور في القتال وإحداهن قتلت بعمود فسطاطها سبعة من الأعداء.
** الإمام البخاري ذكر أيضا حديث أم حرام بنت ملحان، فعلى أي شيء يدل هذا الحديث، امرأة تجلس والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتحدث عن موضوع الغزو في البحر؟
الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال في الحديث إن جماعة من أمتي يركبون زبد البحر، مجاهدين في سبيل الله، وركوب البحر عند العرب وعند أهل مكة كان مخاطرة؛ لأنه ليس لديهم بحر، ولذلك جاء في بعض الأحاديث أن الغزوة في البحر أفضل من الغزوة في البر، وأنا أقول بناء أو تفريعًا على هذا أن الغزوة أو الجهاد في الجو بالطيران أفضل من الجهاد في البر والبحر، لأنه مخاطرة أكبر، وهي أشد خطرًا على العدو، وما أصابنا ما أصابنا في حرب سبعة وستين، إلا من الطيران الإسرائيلي الذي ضرب طيراننا وشله في اللحظات الأولى.
وأم حرام قالت يا رسول الله ادعو الله أن يجعلني منهم، فدعا الله أن يجعلها منهم، وفعلاً ذهبت مع زوجها عبادة بن الصامت في غزوة قبرص، وأصابها ما أصابها في سبيل الله، فماتت في هذه الغزوة مقتولة، فهذا يدل على همة المرأة المسلمة، التي تشارك الرجال في طموحاتهم، وتريد أن يكون له فضل حتى وإن كانت فيه مخاطرة مثل ركوب البحر، ومن أجل هذا ذكر الإمام البخاري هذا الحديث.

المرأة والحرب
** ما دور المرأة في الحروب الحديثة؟
دور المرأة قديمًا كما أشرنا في عصر الرسول والصحابة، كان خدمة المجاهدين بما تقوم به من إسعاف الجرحى، وسقاية العطشى، الخدمة المطلوبة التي تقدر عليها المرأة في ذلك الوقت، وقد تشارك في الغزو والقتال كما عنون الإمام البخاري عند اللزوم، وذلك أن الجهاد العسكري في ذلك الوقت يحتاج إلى نوع من القوة الجسمية، واللياقة البدنية، حتى تستطيع أن تمتشق الحسام، وتحمل الرمح والحربة، أو تركب الجواد، وتتقن الفروسية، وليس هذا من شأن المرأة، لكن في العصر الحديث لم تعد الحروب تحتاج إلى كل هذه اللياقات البدنية؛ لأنها حروب تقوم على الآليات، التي تستخدم إلكترونيًا، فهي في حاجة إلى العقل أكثر من حاجتها إلى البدن، للأسف بلادنا متخلفة في هذا لانتشار الأمية عندنا، والأسلحة الحديثة تحتاج إلى عقل متعلم، وهذا الأمر يمكن أن تقوم المرأة فيه بنصيب كما يقوم الرجل، ومن أجل هذا نرى الجيش الإسرائيلي فيه الرجال وفيه النساء.
فالمرأة تستطيع في ظل هذه الظروف، أن تشارك إذا لم يكن هناك مانع آخر، فقد تكون مشغولة بالإرضاع وبالحمل وبالولادة، وبتربية أولادها، فيكون في هذه الحالة الاعتماد على الرجال، والاعتماد دائمًا في الجيوش على الرجال أساسًا حتى في أوربا وأمريكا وغيرها.
** ما دور المرأة في جهاد الدفع، ماذا تصنع ؟ وكيف تخرج؟ ومتى تخرج؟ وهل تحتاج إلى إذن أم لا؟
جهاد الدفع كما قلنا هو فرض عين، فالمرأة عليها دور كما على الرجل، وهذا الجهاد قالوا فيه: المرأة تخرج بغير إذن زوجها، والولد بغير إذن أبيه؛ لأن حق الأمة مقدم على حق الأفراد، ومن هنا رأينا أخواتنا في فلسطين يقمن بدورهن في الجهاد، مثل العمليات الاستشهادية، والمرأة لها دور آخر في إعداد الأجيال للجهاد، وفي بث روح الجهاد في أبنائها، وعندنا الخنساء التي قدمت بنيها الأربعة وتقول لهم اصبروا، وصابروا، ورابطوا في سبيل الله، وجاءها نعيهم فقالت: «الحمد الله الذي شرفني بقتلهم وجعلهم شفعاء لي يوم القيامة»، فتستطيع المرأة أن تقوم بهذا الدور أبدًا وخصوصًا في جهاد الدفع.
المصدر: صحيفة الراي العام