السادة أصحاب النفوذ…ومالايجوز (2)
*مواصلة في ما ذهبنا إليه بمقال البارحة.. ونزولاً عند رغبة القراء وما أوردوه من تعليقات وتعقيبات وحكايات وملاحظات جديدة عما انتظم بلادنا من سوء استخدام للسلطات والصلاحيات، نمضي قدماً في ذات السياق ونواصل إلقاء الحجارة في تلك البرك الآسنة عساها تتحرك ويصفو ماؤها العكر النتن.
* إن ما نلقاه من سوء معاملة كمواطنين في معظم المرافق والمؤسسات الحكومية والخدمية يجعلنا نركن لفكرة الفرار والهجرة حالما سنحت.. وأجزم أن السواد الأعظم من السودانيين الآن يمني النفس بفرصة ذهبية تسمح له بالعيش خارج الحدود ظناً منه أن الحياة في أي بقعة أخري قد تكون أكرم وأفضل، يتمتع فيها بالعيش الرغيد وتمام كرامته الإنسانية.
وقد ألح بعض القراء على ضرورة لفت نظر رجال الشرطة تحديداً رغم ولائي المطلق لهم إلى ضرورة إعادة النظر في أسلوب التعامل الذي ينتهجونه في معظم الدوائر الخدمية التي تتعلق بها مصالح الناس. فغالبيتهم متكدرون ساخطون يزفرون الهواء الساخن من صدورهم ويمتعضون من وظائفهم! والأثر السالب لكل ذلك لن يجدي معه ما يسوقونه من تبريرات شأنهم شأن معظم الأطباء من أن الروتين المهني القاتل والحلقة اليومية التي يدورون فيها قد تسلمهم لحالة من الملل والرتابة والاعتياد تتحول دون قصد منهم إلى استياء واضح في طريقة تعاطيهم مع الآخرين !!!.
وهذا المبرر غير المقبول يجعلنا نذكرهم بأنهم اختاروا طائعين تلك المهن المعنية بالاختلاط اليومي بالمواطنين على مختلف فئاتهم المجتمعية وتراكيبهم النفسية وظروفهم وتفاصيلهم.
وحين اختار أحدهم العمل في مطار الخرطوم مثلاً أو في دائرة الجوازات والهجرة والجنسية أو في مستشفى الخرطوم التعليمي كان يدرك تماماً ما هو مقبل عليه وأن طبيعته المهنية ستورد عليه كل السحنات والوجوه والمستويات التعليمية وعليه أن يعاملها جميعاً بذات التفاني والاجتهاد.. فماذا طرأ عليه ليتحول بغته إلى ذلك الكائن العدائي؟!!
ويمكنك أن تختبر ما أعنيه من عداء إذا قدر لك أن تكون عائداً إلى أرض الوطن في واحدة من رحلات الطيران ذات توقيت متأخر.. حيث يكون معظم العاملين في الورديات الليلية يقاومون النعاس والضجر.. فتجدهم يتلقونك على مضض ووجوههم يعلوها الضيق.. ويكملون لك إجراءات الوصول عابسين.. دون أن يحيوك في الغالب أو يهنئوك بسلامة العودة، على العكس مما يمكن أن يحدث معك في معظم مطارات الدنيا، حيث يتلقاك الموظفون بالحبور والبشاشة والاحترام الذين يدخلون على قلبك البهجة والانشراح ويدعمون المعنويات.. لاسيما وأنت في الغالب تكون عائدا من الخارج مهموماً بكل ما ينتظرك هنا..
وا أسفاً على حال البلاد والعباد بعد أن تكون قد عقدت كل المقارنات مع ما عايشته في العواصم الأخرى وما ظللت تعايشه وتشاهده في (الخرطوم) الحضارية التي اعترف القائمون علينا بدخولها تماماً مرحلة الكارثة في ما يتعلق بالنفايات المتزايدة رغم التزايد الموازي للجبايات!!
هنا.. يمكن لأصغر (عسكري) أن يهينك وينال منك ولا يمكنك حتى أن تدافع عن نفسك خشية مآلات أخرى! ويمكن لأي مسؤول في وظيفة قانونية أو عدلية أو قضائية أن يصدر قراراً ظالماً في حقك ثم يلقي باللائمة على تسلسل الإجراءات أو يبرره بخطأ بسيط حدث سهوا في الوقت الذي يكون فيه هذا الخطأ قد ينسف جزءاً كبيراً من حياتك أو سمعتك وروحك المعنوية..
ولن نحرك ساكناً.. لأننا نفتقر للشجاعة الكافية ، ونجهل حقوقنا الإنسانية والوطنية أو نختار طائعين أن نلوذ بالصمت وننحني للعواصف ونبلع دموعنا وفواجعنا حتى لا نضطر للدخول في مهاترات ومعارك غير محمودة النتائج في بلد تفشى فيها وباء الفساد والمحسوبية واستشرى حتى بلغنا جميعاً مرحلة الموت السريري دون أمل قريب في الشفاء!!
فهل كتب علينا الموت قسراً بخناجر النفوذ والغرور والأنانية والجهل والتخلف في التعامل وآلية ممارسة الحياة؟!! أم أننا سنموت من الجبن متنازلين عن حقنا الإنساني الذي كفلته كافة الديانات السماوية والقوانين البشرية في أن نعيش بكامل كرامتنا؟!!
* تلويح:
إذا رأيت أنك تتعمد تجاوز سيارات الآخرين في الطريق العام.. فاعلم أنه (أحد) أعراض مرض السلطة والنفوذ!!.. لك أن تبحث عن الشفاء أو تختار هذا المرض ذا المكاسب الدنيوية والخسائر الدينية الباهظة.
إندياح – صحيفة اليوم التالي