شجاعة وشفاعة
في بادرة تستحق الوقوف عندها، اعترف وزير البنى التحتية بولاية الخرطوم، حسن عبد اللّه فضل المولى، بأن الجهاز التنفيذي يتحمل مسؤولية الإخفاقات التي حدثت في الخريف الحَالي لعدم تعامله بمسؤولية مع آثار السيول والأمطار التي اجتاحت الولاية، ووصف أداء الجهاز بأنه «كسيح» و لكن أخطر اعترافات الوزير أمام المجلس التشريعي للولاية الخميس الماضي أن نسبة 50 في المئة من أراضي الولاية غير مُخططة،كما أن معظم المهندسين الذين تمّ اختيارهم لرصف الطرق غير مؤهلين، مشيرا الى أنه جرى اختيار 240 مهندساً لهذا الغرض، إلاّ أنّ الأكفاء منهم لا يتعدون 25 مهندسا، وانتقد الوزير إنشاء العديد من الطرق العشوائية من دون إجراء أيّة دراسات مُسبقة مما تسبّب ذلك في مفاقمة حجم كوارث الأمطار، وانتقد ايضا تعامل الحكومة بعدم مسؤولية في جانب تطبيق القانون على المواطنين الذين يعتدون على المصارف الجديدة، وقال إنّها تَعَاملت معهم بسياسات «الطبطبة» والمجاملة مما نتج عن ذلك الكوارث التي تشهدها الولاية حاليا، وراهن فضل المولى على استمرار كوارث الأمطار في ما تبقى من الخريف في ظل الغياب التام من قِبل أجهزة الدولة وعدم اهتمامها بالأمر.
هذة فضيلة من وزير البنى التحتية ،لأن قصور الجهاز التنفيذي في ولاية الخرطوم لا يحتاج الى شهادة ، ولكن أن يشهد شاهد من أهلها فهذه شجاعة تحسب للوزير،والمنطقي أن يكون حدث نقاش جاد في مجلس وزراء حكومة ولاية الخرطوم لتحديد مسؤولية القصورالذي وقع وتضرر منه المواطن،ودفع ثمنه غاليا ولا يزال،ومحاسبة تلك الجهات المتقاعسة،وان لم تفعل ذلك حكومة الولاية وواليها فإن المجلس التشريعي الذي كان في «نوم العوافي» ينبغي أن يتحرك ويطالب بالمحاسبة وفصل المهندسين الفاشلين الذين ورثهم وزير البنى التحتية من وزارة التخطيط العمراني.
ولا أدري لمن يشتكي المهندس فضل المولى الى الرأي العام ؟.. أم الى المجلس التشريعي ؟ فالرأي العام محبط ولا ينتظر اصلاحا قريبا، ومجلس الولاية ليس بأفضل حالا من الشاكي، ويبدو أن أعضاءه ارتضوا بمخصصاتهم ولم يأتوا الى كراسيهم على أكتاف جماهير لتحاسبهم على لعب دور المتفرج،ولكن الوزير مسؤول ولا أعتقدأن يديه مكبلتان من اجراء اصلاح في أجهزة الولاية التي تقع تحت مسؤوليته ، وان عجز عن ذلك فعليه أن يحترم نفسه ويغادر موقعه.
الأمطار والسيول التي ضربت الخرطوم كشفت عورات وسوءات تتطلب تحقيقا وشفافية،فمعظم طرق الولاية ذابت كما يذوب البسكويت في الماء،وتمضي خطوات اصلاحها بسلحفائية ،ولا أعتقد أن الجهاز التنفيذي الذي وصفه فضل المولى بأنه «كسيح» قادر على فعل شيىء فهو جهاز «مشلول» وحساسيته تجاه قضايا المواطن متبلدة،وكذلك فإن مصارف الأمطار التي صرفت مبالغ كبيرة على صيانتها قبيل الخريف لم تكن ذات جدوى، مما يشير الى أن تلك الأموال ضلت طريقها.
الوالي عبد الرحمن الخضر لا يتحمل ما جرى، فقد ورث وضعا صعبا قبل أشهر، ولكنه مطالب بمراجعة شاملة وتحركات فاعلة واصلاحات عاجلة وقرارات صعبة لا تحتمل أنصاف الحلول،والوقت ليس في صالحه فقد جاء في ظل أزمة مالية وموارد شحيحة،وينتظره الكثير خصوصا أنه أسرف في الوعود،وان لم يستعجل فإنه سيدفع ثمنا سياسيا باهظا،ومواطن الخرطوم الذي كان صوته خافتا واحتجاجاته صامتة وغبنه مكبوتا سيكون في مقدوره خلال أشهر معاقبة الذين قصروا في حقه ولم يشعروا بمعاناته وهمومه، وأهملوا قضاياه عبر صناديق الاقتراع.
النور أحمد النور :الصحافة