«كرامتنا» يا دعاة الديمقراطية
قبل نحو أربع سنوات أو يزيد قليلاً، نشرنا في «آخر لحظة» وعلى ذات هذه المساحة مادة رأي، أو مقالاً بعنوان (من يحكم الآن؟) عن منبر باتحاد الصحفيين السودانيين، تحدث فيه السيد الإمام الصادق المهدي، ولأن الأحداث تشابكت، وتشابهت، رأينا أن نعيد نشر ما تم نشره دون تعليق، مع كامل احترامنا للحكام والمعارضين وقراء هذه الصحيفة المحترمين.
من يحكم الآن..؟
السيّد الإمام الصادق المهدي تختلف أو تتفق معه، إلا أنه من الضروري الإقرار بدوره في المسرح السياسي السوداني عامة، وداخل كيان الأنصار خاصة، وحزب الأمة على وجه الخصوص، فقد نشأت وتكونت شخصيته داخل حزب متماسك أقرب إلى الأحزاب العقائدية، لكن أفكاره الشابة الثورية وطموحه السياسي غير المحدود، ومنهجه في التعامل مع القضايا الكلية والجزئية قاده إلى الانشقاق على الحزب، ومثّل ذات يوم تاريخ الحياة السياسية السودانية خروجاً عن النص السائد، وأصبح نجماً لامعاً في سماء السياسة.
استضفنا السيّد الصادق المهدي في منبر اتحاد الصحفيين السياسي الدوري يوم الأحد الأول من أمس، وحاصره الصحفيون بألسنة وأسئلة حداد، حول أفكاره ومفاهيمه ومواقفه وآرائه حول تطورات الأوضاع السياسية في السودان، وعملية التحول الديمقراطي، الذي بدأت بشائره تلوح في أفق حياتنا بوضع أقدام البلاد على مسار الانتخابات.
كنا وما زلنا نشعر بالتناقض بين أقوال السيّد الإمام وأفعاله، فهو يقول إنه مع التحول الديمقراطي، ثم يقود تحولاً آخر لدى المرشحين لمنصب الرئاسة، عندما يطالب بتأجيل الانتخابات إلى نوفمبر المقبل، وله في ذلك مبررات وتبريرات، لكنه متمسك بخوض الانتخابات في كل الأحوال، تأجلت أم قامت في موعدها، وله رأي واضح ومحد د في استهداف السودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لأجل تجزئته وتقسيمه لأكثر من دولة.
السيّد الصادق المهدي يرى أن الجيش غدر بهم في يونيو 1989م، والنخبة السياسية وكثير من عامة الناس، وقواعد الأحزاب كانت تدرك آنذاك أن الديمقراطية الثالثة آيلة للسقوط، ليس بمذكرة الجيش وحدها.. بل بممارسات كثيرة من رموز السياسة وقتها.. ولا نتهم السيّد الصادق بأنه كان منهم، لكنه كان على رأس مجلس الوزراء، وقد تضعضع الوضع الأمني وتم إهمال القوات المسلحة، فأخذت المدن والمناطق تسقط دون قتال تحت أقدام التمرد، وتردت الخدمات، وعانى الناس الأمرين في سبيل الحصول على الخبز والدواء والكساء.
السيّد الصادق المهدي رجل نجله ونحترمه على المستوى الشخصي، فهو نموذج للسياسي العف والمهذب والمفكر، لكن يحق لنا أن نختلف معه، ونحن نعرف مدى احترامه للرأي الآخر، وهو يرى أن الديمقراطية وأهم نتائجها (كرامة المواطن)، ونحن معه في ذلك، ولكن كيف تكون للمواطن كرامة في ظل معاناة وشظف وندرة، وقلة فرص تعليم وعمل، وفقر وبنيات أساسية تكاد تكون منعدمة.
الآن وبحسابات المنطق والسياسة فإن الجيش لا يحكم، حتى وإن ارتدى رئيس الدولة زي وعلامات ونياشين أعلى رتبة عسكرية، لكنه غير غائب عن الحياة العامة.. الذي يحكم والذي نريده أن يحكم هو الشعب.. عامة الشعب عن طريق صناديق الاقتراع، واختيار ممثليه في رئاسة الجمهورية، وولاة الولايات، والبرلمان، والمجالس التشريعية.. صوت الناخب هو أقوى سلاح (لاستلام) السلطة والتأسيس لحياة ديمقراطية، يحميها الجيش مثلما يحمي الدستور، ومثلما يحمي الوطن.. البعض يرى أن (السلاح) المرفوع في وجه الشعب هو الذي يحكم، ونحن نرى أن الفكر هو الذي يبقى ويحكم.. يذهب السلاح وتزول الديكتاتوريات العسكرية والمدنية، لكن تبقى الأفكار الجيدة صالحة إلى يوم الدين.. والفكر الصالح هو القائم على التوحيد وتحكيم شرع الله، لا الهروب منه بالدعوة إلى قيام دولة مدنية، لأن المطالبة بالدولة العلمانية سيثير المشاكل كما ذكر السيّد الإمام.
سيدي الإمام لك التحية والتجلة والاحترام، ورأيت أن أقدم رؤية نقدية لطرحكم السياسي ضمن برنامجكم الانتخابي (الخلاص) الذي – حسبما علقت لك عليه – مطابق في اسمه لـ(الإنقاذ).. وأنت تعلم سيدي الإمام أن وجودي على المنصة الرئيسية بصفتي رئيساً لاتحاد الصحفيين السودانيين بالإنابة منعني من المداخلة الحرة المباشرة.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]