الطاهر ساتي

التوجس التشريعي .. لماذا ؟

[JUSTIFY]
التوجس التشريعي .. لماذا ؟

:: ومن لطائف السجال السياسي، تساجل الدكتور أمين حسن عمر ذات عام مع بعض الشيوعيين واليسار في إحدى الندوات، وعندما أكثروا من الإستشهاد بالأيات والأحاديث في نقد بعض الوقائع السياسية، خاطبهم أمين بالنص القائل : (من إنجازات الحركة الإسلامية أنها أعادتكم إلى الكتاب والسنة لتناقشوا برامج الحكومة وسياساتها وأفكارها)، فضجت القاعة بالضحك، وحتى الخصوم إستحسنوا هذه المداعبة بإعتبارها قطرة في بحر ذكاء الرباطاب وبديهتهم الحاضرة .. !!

:: واليوم، أي مراقب حصيف لحال أقلام صحف الخرطوم منذ يوم الحكم على الطبيبة بالإعدام بعد إدانتها بتهمة الردة، يكتشف أن الزملاء تحولوا إلى فقهاء .. أحدهم يستشهد بالمذهب المالكي، وآخر ينفي ويؤكد بالمذهب الحنفي، وثالث يبحر بقلمه في المذهب الشافعي، ورابع ينقب في أقوال الحنابلة، وبين كل مذهب وآخر تجد من يتحفك بآراء السلف الصالح والتابعين والمعاصرين..ولو رصدنا قوقل، لوجد أن المواقع الإسلامية هي أكثر المواقع بحثا وتنقيبا هذه الأيام ..إبحارالأقلام في الكتاب والسنة والمذهب من محاسن هذه القضية..ولو أغلقت الحكومة الصحف وشردتنا، فلا بأس، فالكاتب منا – بخبرات تناول قضية هذه الطبيبة – يكون قد تأهل تماماً لدرجة ( فكي)..!!

:: المهم، العلماء – بمختلف مذاهبهم – قتلوا قضية الردة بحثاً و أفتوا فيها كثيرا، و لم يتفقوا في حكم المرتد ولن يتفقوا.. ولذلك، علينا تناول قضية الساعة هذه وفق المنظور القانوني المعمول به فقط لاغير، أي لم يفعل مولانا القاضي ما يفعله الزملاء حين حكم، إذ لم يبحث في قوقل ويبحر في المذاهب ويتوه في أراء المعاصرين، بل أراحه الجهاز التشريعي للدولة ب (نصوص قانونية جاهزة)، فحكم بها..ولو وجدت المحكمة نص الغرامة – في محل نص الإعدام – لحكمت على الطبيبة بالغرامة، بل حتى لو وجدت نص البراءة – محل نص الإعدام – لما توانت المحكمة في الحكم بالبراءة.. وعليه، في قضية كهذه، فالنصوص القانونية المجازة من قبل البرلمان هي الجديرة بالمدح أوالنقد من قبل أقلام الصحافة، وليس المذاهب والفتاوي..!!

:: فالحوار بالمذاهب والفتاوي شأن يخص العلماء والشيوخ، وما تُخص الصحافة والرأي العام هي قوانين ولوائح الدولة ومدى إلتزام أجهزة الدولة والمجتمع بها، ثم السعي إلى إصلاحها بالتعديل..ولأن القضية في مرحلة التقاضي الأولى وتمضي نحو مراحل أخرى، اتجاوزها إلى ملاحظة تثير الإنتباه، وهي تصريحات صادرة عن وزارة الخارجية والبرلمان..( أي حكم قابل للمراجعة)، هكذا حديث وزير الخارجية بصحيفتنا هذه، يُراهن على المراجعة.. ( القضية فى مرحلتها الأولى وهناك مراحل أخرى)، هكذا حديث رئيس البرلمان، يُراهن على المراحل الأخرى..تصريحات تُبطن (قلقاً وتوجساً) وتتمنى البراءة في مراحل القضية القادمة.. قد نجد لوزارة الخارجية عذر القلق والتوجس بحكم إحتكاكها المباشر بالعالم الخارجي ومنظماته وإعلامه.. ولكن، هل تفاجأ البرلمان أيضاً بهذا الحكم بحيث يتوجس ( مع الخارجية).؟..لا، فالنص القانوني المحكوم به الفتاة تم تشريعه في البرلمان ..!!
[/JUSTIFY]

الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]