عثمان ميرغني

سيناريو “التحلل” من الوالي

[JUSTIFY]
سيناريو “التحلل” من الوالي

والي الخرطوم د.عبد الرحمن الخضر كان عادة في ظهوره الإعلامي دائم الابتسام وميالاً للتبسط ومجاملة الإعلاميين.. لكنه في لقائه أمس بالإعلاميين بدا محبطاً.. مثقلاً بالحزن.. رجلاً آخر يتمزق من داخله جراء ما يدفعه من ثمن باهظ لقضية منسوبي مكتبه المتهمين بالثراء الحرام.

لا حاجة لإعادة سرد ما قاله أمس لأني موقن أن كل الصحف ستحمل تفاصيله في صفحاتها الأُولى صباح اليوم.. لكن يساورني إحساس مسنود بالبراهين- أن الوالي يتعرض لعملية (تحلل!!) سياسي من تلقاء حزبه.. المؤتمر الوطني.. يدفع ثمن (مؤامرة) نسجت خيوطها بإحكام..

قضية موظفي مكتب الوالي اللذين اتهما بالثراء الحرام.. هي قضية (إعلامية) بالدرجة الأولى وليست مجرد قضية جنائية عادية.. إذ كان ممكناً حصرها واختصارها في إجراءات جنائية عادية جداً من الوهلة الأولى.. تطال الموظفين المتهمين بالتلاعب في تخصيص الأراضي الاستثمارية..

لكن وزارة العدل (ممثلة في المستشارين الذين وضعوا القضية تحت طائلة قانون الثراء الحرام) ارتكبت الخطأ الأكبر الذي حول القضية بامتياز- إلى موضوع للسخرية في كل مكان ومنبت وملهم للنكات التي باتت تشكل إحدى أكبر أدوات الشعب في التعبير عن رأيه في ما يدور حوله.. إذ نشرت الصحف قصص المتهمين بالسرقة أمام المحاكم الذين باتوا يطلبون (التحلل) أسوة بالمتهمين في مكتب الوالي.. بل وصارت كلمة (تحلل) في الشارع السوداني عنواناً عريضاً يجسد ما انتهى إليه حال البلاد من (تحلل)..!!

القضية تحولت من جنائية إلى إعلامية عندما رأى الشعب السوداني بأم عينيه لجنة من كبار مستشاري وزارة العدل تطلق سراح متهمين بحيثيات أن (تقديمهم للمحكمة سيمنحهم البراءة).. وأن (التحلل) ينقذ المال العام.. وبدلاً من أن تكسب الخزانة العامة مبلغ الـ(17) مليون جنيه المستردة.. خسرت (17) مليار دولار في السمعة التي غسلت بتراب السخرية وطين الاتهام بالفساد الرسمي- السافر..

وليزداد (الفيلم) إثارة عادت وزارة العدل لتغير موقفها وتحيل المتهمين إلى مواد القانون الجنائي.. وتقبض عليهم في أشد الحراسات تشديداً (حراسات التحقيق الجنائي في بحري).. ثم مع مزيد من التناول الشعبي للقضية نُقل المتهمون إلى سجن جديد قال الوالي إنه نفسه لا يعرف أين هم الآن.

إخفاء أسماء المتهمين وتفاصيلهم جعلت القضية تحت عنوان (موظفي مكتب الوالي).. وهي عبارة واضحة جداً مقصود منها الإبقاء على اسم واحد فقط.. أمام المشهد الشعبي.. هو (الوالي) نفسه.

من الواضح أن جهة ما.. في مكان ما.. رسمت سيناريو من حلقات هدفه النهائي تركيز انتباه الشارع كله في دائرة رجل واحد.. هو والي الخرطوم.. وممارسة مزيد من التركيز والحشد النفسي حوله.. ثم في آخر المطاف يتم (التحلل) من الوالي.. ليحمل كل الوصمة معه.. وتكسب الحكومة تحت شعار (نحن جادون في محاربة الفساد.. حتى بقطع رؤوس الكبار.. ولو كانوا في مقام والي أهم ولاية في السودان).

على كل حال غلطة الوالي.. أن الكرة مرت أمام قدمه.. أمام المرمى الخالي.. لكنه لم يركلها في المرمى.. يوم أعلنت لجنة وزارة العدل قصة (التحلل) كان عليه أن يرفض قرارها بكل قوة.. علناً على رؤوس الأشهاد.. لحظتها كان سيسقط بالقاضية سيناريو (التحلل) من الوالي.. الجاري الآن..
[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي
[Email]hadeeth.almadina@gmail.com[/Email]