هل سيصمد اتفاق سلفا مشار؟
< بالفعل تقف دولة جنوب السودان عند مفترق طرق، فالوصفة الأمريكية التي وضعت لعلاج أزمتها والصراع الدامي فيها، لا يبدو أنها الترياق المناسب لدولة تتمرغ في رماد الاقتتال.. وتنتظر معجزة ما تنهي محنتها. < بالرغم من توقيع اتفاق لوقف العدائيات وافق عليه ومهره بحبره رئيس الدولة سلفا كير وزعيم المتمردين د. رياك مشار، كانت قد أعدته الخارجية الأمريكية وسلمته للطرفين قبيل التئام لقائهما بالعاصمة الإثيوبية أديس ابابا، ولم يتم التفاوض حوله في اجتماع الطرفين أمس الأول بالقصر الرئاسي الإثيوبي، وتم التوقيع عليه تحت ضغوط كثيفة وإذعان واضح من جانبي النزاع، ومثلت وساطة ولجنة هيئة «الإيقاد» مجرد مظلة طبخته الإدارة الأمريكية تحتها.. فإنه لا يوجد أحد في دولة الجنوب وخارجها يأخذه اليقين بأنه اتفاق سيصبح نهاية حرب وبداية سلام. < قد لا يكون الخوض في تفاصيل النقاط الثماني التي وردت في الاتفاقية مهماً فهي نقاط لاتفاق معمم وفضفاض، بقدر ما يتطلب النظر في ما وراء بعض بنود الاتفاق وما يترتب عنها في صياغة الأوضاع السياسية في الدولة الحديثة الولادة. < وغني عن القول هنا، أن لكل طرف حساباته الدقيقة التي جعلته يرضخ للضغط الأمريكي ويوافق على هذه الاتفاقية التي لا تتوفر لها حتى اللحظة فرصة النجاح في وقف الحرب ونزع أسنانها وأسبابها!! < وما يلفت الانتباه أن الاتفاقية قفزت من البنود التقليدية المعروفة لترتيبات لوقف العدائيات وكيفية مراقبة وقف إطلاق النار، إلى المعالجة السياسية للأزمة وأفردت لها حيزاً واسعاً في الاتفاق، مما يشير بوضوح إلى أن ترتيبات المرحلة المقبلة وتحضيراتها، كانت هي الهدف الرئيس وليس وقف العدائيات الذي جاء تمهيداً لاتفاق حول إطلاق نار شامل. < فالاتفاقية تتحدث عن التشاور والاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية بكامل تدابيرها وكيفياتها، ودورها في وضع الدستور الدائم والتفاوض حول الحكومة الدائمة، ويلاحظ أن الحديث في هذا الجانب أغفل تماماً أية إشارة لإجراء الانتخابات ومنح التفويض والاستحقاق الدستوري. < في هذه النقطة التي قفزت إليها الاتفاقية المتعجلة، هناك معضلة كبرى تواجه طرفي النزاع، فواقع الحال يقول إن أية تسوية تتم لإحياء الحركة الشعبية كحزب حاكم يضم جميع الفرقاء المتقاتلين اليوم ستكون فاشلة بنسبة مائة بالمائة، فجميع القادة الميدانيين والعسكريين مع زعيم المعارضة المسلحة رياك مشار، لن يعودوا معه إن عاد إلى صفوف الحركة الشعبية والجيش الشعبي، فأكثرهم وخاصة النوير لم يكونوا في يوم من الأيام جزءاً من الحركة وجيشها، فمن المتعذر قبولهم بالذهاب إلى عش الدبابير وابتلاع الضفدعة الميتة. < كما أن الانقسام السياسي الذي تصدعت به الحركة الشعبية لا يمكن ترميمه بسهولة، فالإدارة الأمريكية تريد الإبقاء على الحركة وتقويتها لإدارة وحكم الدولة الجنوبية، لكن تطورات الأوضاع وتفاقماتها تجاوزت الحركة كحزب، وتشكلت حالة سياسية جديدة تتطلب رؤيةً وتفكيراً مغايراً للتعامل معها. < إذا كان الجميع في طرفي النزاع يواجهون هذه المشكلة المتعلقة بالحركة الشعبية، فإن القضايا الخلافية التي أدت إلى الحرب لن تنتهي بهذه التسوية والترتيب الجاري لتجاوزها، فالجنوب وقع في قاع الهاوية، فالجيش الشعبي منقسم على نفسه ولا يمكن جعله يلتحم من جديد، والخدمة المدنية على عللها لم تعد موجودة، والمجتمع على مستواه الأفقي والرأسي منقسم على نفسه ويصعب جمع صفه بدفع السياسة الذاتي. < وفوق هذا وذاك لا يمكن القبول لدى أكثرية جنوبية، بفكرة اختيار باقان أموم كما جاء في المقترحات الأمريكية، رئيساً للحكومة المؤقتة، فإذا كانت المبررات أنه خيار لا بد منه لغياب خيار آخر غيره، وأنه سيكون لفترة انتقالية محددة، فإن عوامل رفضه في مقدمتها توازنات القبيلة والثقل الشعبي وسنده الداخلي ستقف حجر عثرة أمامه، خاصة إذا حسبنا حالة الحركة الشعبية الراهنة، ولم يكن اختياره كمقترح من جانب الأمريكيين إلا بسبب وجوده في الحركة الشعبية. «يتبع» [/JUSTIFY][/SIZE]أما قبل - الصادق الرزيقي صحيفة الإنتباهة