البريد الـ( ص )ـريع
* فغرت فمى من الدهشة وسألته ما هذا، فأجابنى .. ( اذا أردت ان تعثر على خطابك فعليك ان تبحث عنه فى كل هذه الجوالات والكراتين ) !! ثم عرفت منه ان عددا كبيرا من مراكز البوستة أغلقت، وفقد معظم العاملين بهيئة البريد والبرق ( سابقا ) وظائفهم لدواعى الخصخصة، بالاضافة الى أن بعض الجهات مثل جامعة الخرطوم ترفض استلام رسائلها منذ بضعة اشهر بعد اغلاق مكاتب البريد بها، ولم يعد ممكنا تصريف الرسائل الى محطاتها النهائية وأصحابها، فأخذت تتراكم منذ شهور حتى وصلت الى هذه الحالة !!
* لم أدر ماذا أقول، وأخذت أجيل البصر فى انحاء المكان الملئ بالجوالات والصناديق والاوراق والاتربة والغبار، تستغرقنى الدهشة ويسيطر على الوجوم ، ويؤرق ضميرى سؤال .. ( هل هذه هى البوستة ، أم أننى قد أخطأت الطريق الى مقلب كبير للنفايات ؟! ) !!
* الآن فقط عرفت لماذا لم يصل الخطاب الذى ارسل الى جامعة الخرطوم قبل بضعة أشهر من أمريكا، ولماذا لم تصل شهادات صديق لى من جنوب أفريقيا، ولماذا لم تصل صكوك مالية الى زميلة ارسلها لها زوجها الذى يعمل بالسعودية ، ولماذا ولماذا … ؟! ما هذا الذى يحدث وهل هذه هى البوستة التى تعتبر من المقدسات فى كل انحاء العالم وتحكمها قوانين صارمة جدا ويرتبط اسمها فى كثير من الدول برمز السيادة دليلا على أهميتها القصوى وترسيخا للثقة فى نفوس الذين يتعاملون معها ويأتمنونها على أسرارهم وخصوصياتهم وممتلكاتهم ؟! وهل تخصيصها أو انتقال ملكيتها من مالك الى مالك آخر او من القطاع العام الى القطاع الخاص أو من الحكومة الى الصندوق الاستثمارى، يعنى ان تتحول من مؤسسة مصدر ثقة ويد أمينة الى مقلب نفايات، وتجد أمانات الناس ورسائلهم وخصوصياتهم كل هذا الاهمال واللامبالاة والضياع ؟!
* قال لى الموظف .. أترك لى الاسم والعنوان المكتوب على واجهة خطابك وسابحث لك عنه وعندما أعثر عليه سأبلغك، وهنا جاء دورى لمقابلة سخريته التى بادرنى بها بسخرية مثلها ، فرسمت نصف ابتسامة على الركن الأيسر لفمى، وأسرعت بالخروج، وعندما وجدت نفسى فى شارع الجامعة وظهرى فى مواجهة المبنى العتيق الضخم، أدرت رأسى الى الوراء ورفعته قليلا الى أعلى لأقرأ على الواجهة .. ( الهيئة العامة للبريد والبرق )، وبدون ان أشعر أضفت .. ( عليها الرحمة )، ثم نظرت لليافطة التى كتب عليها ذلك وخطرت بذهنى المقولة الشهيرة .. ( أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟! ) !!
drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: – 2009-04-21
الأخ زهير السراج إنه السودان الصريع