بالضرا… إنى شاء الله (راجل مرا)!
احتضنت (سكينة) دلوكتها القديمة، قبل أن تنهال عليها بوابل من الطرقات عبر أصابعها (الناشفة)، وهي تردد بصوت مبحوح: (عربيتك المارسيدس.. يا السايق العربية.. كسرت علينا الترس.. يا السايق العربية..
إنت شطة ما بتتهبش.. وعاجبني فيك القرش).. وبينما كانت (سكينة) تخمج الدلوكة، كان بعض الفتيات يراقبنها باهتمام داخل تلك القعدة المحضورة في منزل (عشة بوبار) بمناسبة خطوبة ابنتها (توتا).. كما ظلت بعض النسوة الكبار يحركن رؤوسهن طرباً، وهنَّ يستمعن للفنانة (سكينة دلوكة). أما خارج المنزل، فقد ألصق عدد من أولاد الحلة (الشواطين) أعينهم بثقب الباب، في محاولة منهم لاستكشاف ما يدور، وتحديداً (عبدو إبليس).. ذلك الشافع المسلط الذي يشتكي منه طوب الحلة قبل أهلها.. والذي كان في ذلك الوقت يراقب عبر ثقب الباب (حلّة الرز باللبن) التي كانت تغلي خلف دائرة الطرب تلك.
دقائق مرت حتى أزاح (عبدو إبليس) عينيه من ثقب الباب، ونظر إلى من معه قبل أن يقول في حدة: (هوي.. أسمعوني كويس.. لازم (نجازف) الحلة بتاعت الرز باللبن دي بأي طريقة).. هنا قفز (حمادة) وهو يسأله: (نجازفا كيف يا إبليس.. إنت ما شايف النساوين ديل قاعدين حوالينا كيف؟).. مطَّ (إبليس) شفتيه في ازدراء من جهل وتفكير (حمادة) ود (الحلة المدلع)، فقال له بغلظة: (هوي يا زول.. ما تعمل لي حركات الأولاد الحناكيش ديل.. أنا قلت حنجازفا يعني حنجازفا).. صمت (حمادة) عن الحديث، بينما ظل (إبليس) يفرك رأسه بعنف، قبل أن يصيح في نشوة: (أيوااااا…لقيتا).. اقترب منه أبناء الحلة باهتمام وهم يستمعون لخطته الجهنمية، والتي كانت تقضي بأن يرتدي أحدهم (طرحة وعباءة)، ثم يدخل للداخل وكأنه واحدة من بنات الحلة، ويقوم بدفع الحلة بعيداً عن دائرة الغناء التي كانت تشتعل في تلك اللحظة بعد أن قلبت (سكينة دلوكة) لإيقاع (التم تم).
وقع الاختيار على (حمادة)، ليقوم بدور (بت الحلة)، وطبعاً لا يمكنه الاعتراض وإلا كان ضحية لإبليس الذي لا يعرف الرحمة أو الشفقة، وبالفعل، انطلق (هشومي) لمنزلهم وعاد ومعه طرحة شقيقته وعباءة والدته، وفي دقائق كان (حمادة) جاهزاً للمهمة بعد أن أخفي وجهه تحت خمار رقيق، مرت لحظات قبل أن يدفع (حمادة) الباب ويدخل، ويظل إبليس ورفاقه يتابعون ما يدور عبر ثقب الباب.
جلس (حمادة) بجانب بعض النسوة على طرف السرير وهو يراقب (حلة الرز) التي كانت تستوي في تلك اللحظة، ولم ينتبه إلى حاجة (التومة) التي اقتربت منه وسألته في دهشة: (إنتي بت ناس منو؟).. لم ينطق (حمادة) بل ظل صامتاً كالصنم، وهذا ما دفع بحاجة (مدينة) لإيقاف الدلوكة ومطالبة (حمادة) بتعريف نفسه.. ساد الصمت المكان.. وظلت كل العيون معلقة بتلك الفتاة الملثمة في انتظار إجابتها.. وعندما نهضت بعض النسوة نحو (حمادة) لاكتشاف شخصيته، صاح بصوت عالٍ: (ألحقووووووووووووني).!
شربكة أخيرة:
عادت أصوات الدلوكة من جديد، ولكن لم تكن (سكينة دلوكة) هي التي تغني بل كان (حمادة).. والذي كان يردد في ذلك الوقت: (بالضرا.. بالضرا.. إن شاء الله راجل مرة).. لكن الغريب أن (حمادة) بعد تلك (القعدة) أصبح فناناً كبيراً جداً، وأصبح (عداده) يفوق عدادات فنانين كبااااار جداً، أما (عبدو إبليس) و(هشومي) فقد أصبحا يعملان معه كـ(بودي قاردية)… (شفتوا كيف).؟
[/JUSTIFY]
الشربكا يحلها – احمد دندش
صحيفة السوداني