منجل الموت يحصد في الصيف أكثر
ونحن في عزاء فقيدتي آلي زيدان، وهما شقيقتان توفيتا يوم الثلاثاء، بفارق أربع ساعات بين وفاة الأولى والثانية، ونحن هناك مساء جاء عدد من المعزين. وأكثرهم من أهل الرياضة، وفي مقدمتهم الكابتن عمر التوم، وإلى جانبه الكابتن عوض كباكا، وآخرين ولحظة وصولهم جهة شقيق الفقيدتين السيد عبدالرحمن زيدان، سأل أحد الذين كانوا داخل خيمة العزاء الكابتن عمر التوم، وقال له :(وين يا عمر طولنا ما شفناك.. من دافنة أم كمال شداد).
ووفاة السيدة الفضلى والدة الدكتور كمال شداد كانت قبل يوم واحد. اعتدل الكابتن عمر التوم وقال بصوت مسموع: (يا أخي من دافنة ناس شداد دفنا أربعة تاني).
أي أنه شارك في مراسم تشييع ودفن سبعة جثامين خلال أربعة وعشرين ساعة.
لم نغادر خيمة المأتم إلا وكنا قد تلقينا أكثر من خبر وفاة، مع صمت ران على المكان كله، وشرود ذهن أصاب الكثيرين، وأحسب أنهم كانوا يفكرون في أمر الحياة والموت. ويركزون أكثر على منجل الموت الذي أخذ يحصد في هذا الصيف بمعدل يفوق حصده شتاءاً أو في الخريف أو في أيام الاعتدال الحراري.
شخصياً تذكرت ما قاله لي من قبل صديقنا عابدين درمة منذ عدة سنوات، وهو أن عمله – أي دفن الموتى وقبرهم – يزداد كل صيف، ويصل قمته في أعلى أيام الصيف حرارة.
نحن نعيش صيفاً (قاتلاً) يستهدف الضعفاء، خاصة كبار السن الذين لا يحتملون إرتفاع درجة حرارة الجو أكثر من درجة حرارة جسم الإنسان، أي درجة الدفء الطبيعية للجسم، وهي (37.5) درجة، وإذا ما زادت درجة الحرارة الخارجية عن ذلك يبدأ الإنسان في إفراز العرق ليلطف من درجة الحرارة، لكن إفراز العرق الكثير يؤدي إلى هبوط في ضغط الدم وإغماء وأعراض أخرى يعرفها الأطباء أكثر منّا، لكن أخطرها – حسب علمنا القليل – تخثر الدم. لوجود مواد زلالية. عائمة في الدم تتخثر بفعل ارتفاع درجة الحرارة.
هناك أمراض أخرى مرتبطة بارتفاع درجة الحرارة، منها (ضربة الشمس) وهذه يعاني منها أهلنا في بورتسودان أكثر من غيرهم، وكم من الناس راح ضحية لها بعد أن يتعرضوا للشمس فترة طويلة ترتخي خلالها وتتسع الأوعية الدموية مما يؤدي إلى هبوط حاد في ضغط الدم، وتقل نسبة الدم المتجهة والمغذية للدماغ، فتحدث الانتكاسات..
وهناك أمراض أخرى منها ما يتصل بالعضلات، أو ما يتصل بالإنهاك الحراري، أو حساسيات الجلد أو الأنف أو العيون، لذلك يكون اللجوء للظل هو أكثر أمناً وأماناً، وهو نعمة من نعم الله والتي تعد ولا تحصى علينا.
وغير هذا وذاك هناك أخطار الحرائق في الغابات، واحتراق (أُمّيات) الكهرباء وذوبان الأسلاك الناقلة للتيار نتيجة الضغط العالي والحمولة الزائدة.
نسأل الله أن يرحم موتانا وموتى المسلمين، وأن يغفر لنا ولهم أجمعين، ونسأله تعالى أن يلهم مسؤولي «الصحة» في بلادنا أن يعودوا إلى سياسات التحذير من الشمس وضرباتها، ونصح المواطنين بعدم التكدس في مكان واحد، وتحديد عدد ركاب (البصات) الكبيرة، وفتح منافذها، واستغلال أجهزة الإعلام الرسمية والخاصة والصحافة في التنبيه لتلك المخاطر.
ونسأل الله أن يخفف عنا، وأن يبلل أرضنا اليوم قبل الغد، بأمطار الخير التي تسقي الأرض والزرع والإنسان والحيوان.. وتلطف الجو..
آمين
… و… جمعة مباركة
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]