حالة طوارئ
لا أعرف تحديداً التعريف الرسمي أو اللغوي لمعنى كلمة (طوارئ). ولكن التجربة علمتني أن الحالة الطارئة هي تلك التي يتعلق بها أمرٌ جلل، يستدعي التصرف السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تتفاقم المسألة، كما أنها تحتاج للتضامن والتعاون من كافة قطاعات المجتمع محل الحالة.. وبهذا لا يكون هناك مجالاً للتأني أو الانتظار أو التفكير في مثل تلك المواقف.. ولهذا أيضاً كان للجهات الرسمية دورها الواضح والمعلوم تجاه الحوادث والطوارئ، فنشأت وحدات الإنقاذ.. والإسعاف.. والإطفاء.. والنجدة وغيرها من جهات الاختصاص التي يقوم عملها على ردود الأفعال السريعة تجاه المخاطر التي يتعرض لها الإنسان في كل مكان.!
# فهل يمكننا بعد هذا الاجتهاد، أن ندرج حوادث المرور أو أعطال الكهرباء ضمن هذه الحالات الطارئة؟.. إذا كانت الإجابة نعم _ وهذا ما نؤمن به _ فإننا نتساءل عن السبب الذي يجعل محاولات الاتصال بمركز البلاغات أو الـ(call center) لهذه الجهات الحساسة والحيوية مدفوعة القيمة؟.. بل إنهم يُمعِنون في تركك على قائمة انتظار موظف الخدمة حتى ينفد رصيدك تماماً على تلك الدقائق التي هي أساساً أعلى في قيمتها المالية من التعريفة المعتادة.!! وهذا تحديداً فيما يتعلق بالرقم”4848″ والذي خصص لشكاوى وبلاغات الهيئة القومية للكهرباء، والذي استبشرنا به خيراً، كونه رحمنا من جهلنا بالأرقام المختلفة لمكاتب البلاغات المتعددة، ومن التجاهل وعدم الرد أحياناً.
# ولكن.. كانت فرحتنا منقوصة كون الاتصال بهذا الرقم عند الطوارئ جاء مدفوع القيمة ومرهقاً للجيب والأعصاب، كونك تبقى منتظراً لمدة طويلة حتى يتكرم أحد الموظفين بالرد عليك بعد أن تكون قد ساومت نفسك طويلاً بين أن تنهي الاتصال من فرط الانتظار، وأن تصبر على ذلك حتى لا يضيع رصيدك دون فائدة.. فإذا كنت أتصل للإبلاغ عن عطل مفاجئ أصاب الكهرباء في المنطقه التي أسكنها، ويتطلب التدخل السريع، أجد أنني صاحب البلاغ رقم 20 على سبيل المثال، في قائمة انتظار الرد، فكم يكون عدد الموظفين المستخدمين في مركز البلاغات؟.. هذا إذا كنت سأستغرق حوالى الربع ساعة في الانتظار، بينما يأتيني ذلك الصوت الآلي الممل ليعلمني عن موقعي الجديد في القائمة بين الحين والآخر وكأنه يواسيني أو يتأكد من وجودي ضمن المساكين الذين يتم استنزافهم مقابل خدمة لا تتم أبداً بالسرعة المطلوبة، ولا يجب في الأساس أن أدفع مقابلها أي ثمن طالما تعمل الكهرباء لدينا بنظام الدفع المقدم ونقوم جميعاً بدفع ما علينا من تسعيرة وأجرة عداد وضريبة أولاً بأول، وإن كان على مضض.
# أما شرطة المرور فإنني _ رغم تقديري لكل اجتهاداتها في سبيل ترقية الخدمات المرورية وتحسين الصورة الذهنية التي تحدثنا عنها كثيراً _ إلا أنني أعتب على رجالها، كونهم جعلوا التبليغ عن الحوادث مدفوع القيمة على الرقم”777777″!.. فكيف إذا وقع الحادث والناس في خوف وانزعاج وربما بهم بعض الإصابات أو كانوا في مكان ناءٍ لا حياة فيه، وتصادف بأن لم يكن مع أحدهم رصيد؟.. هل يجب أن يتصلوا أولاً _ كأفضل تصرف حكيم يقومون به حينها _ بالرقم “999”.. أم أنه من الأفضل أن تتاح لهم فرصة الاتصال المباشر بالجهة المعنية لسرعة التحرك..؟
# نحن نقدر حجم الأعباء التي تقع على عاتق كل مؤسسات الخدمة العامة.. ولكن كل ذلك لا يعفي أهل الكهرباء والمرور وغيرهم من الجهات التي لم يصلنا نبأها بعد من عتابنا لهم على تشويه معنى الطوارئ المجرد بهذه الإسقاطات المادية التي تنسف كل ما يقومون به من جهد.. لأنها تصيب النفوس بالحنق والحزن معاً.
أما شركات الخدمات الخاصة، كتلك التي تقدم خدمة بيع الأثير وتوفر التبليغ أو الشكوى أو الاستفسار فقط لأرقامها، فإننا نجد لها العذر في ذلك، لأنها رفعت شعار الكسب المادي فقط منذ البداية، وقبلنا نحن به صاغرين رغم ما في النفس من كدر، إلا أن ذلك أيضاً لا يمنحها الحق في إهدار مالنا ووقتنا كما يحلو لها دون مراعاة لظروفنا المالية والاجتماعية، كما فعلت معي شركة (كنار) صبيحة يوم (الوقفة) بقطعها خدمة شبكتها الإلكترونية عني قبل الموعد المحدد ودون أي توضيح، لأمضي أيام العيد في محاولة الاتصال بهم من جوالي وأهدر رصيدي دون جدوى، لأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء وضع أحدهم في الخدمة لتلقي مكالماتنا والإجابة عن تساؤلاتنا، فقط ذهبوا جميعاً في إجازة طويلة وتركوا حالنا (موقوفاً عن الخدمة) دون أن يشفع لنا كوننا عملاء.. قدامى.. تعرضوا لحالة طارئة.!!
تلويح:
إما أن تتغير سياستكم تجاه حالات الطوارئ.. أو تغيروا تعريف الحالة.!
إندياح – صحيفة اليوم التالي